استعادة النموذج الاردني المتفرد
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
06-01-2025 12:57 PM
الاستقرار في الأردن نتيجة نموذج متفرد قائم على عوامل؛ الاول علاقة خاصة بين القيادة و الشعب تشبه نموذج اسري يمثل فيه جلالة الملك رب الاسرة و ينظر له المواطن باعتباره فوق الخلاف و الاختلاف. ثانيا هنالك نسبة من الحرية لا تتمدد لتسمح بالفوضى و التدخل الخارجي و لا تنحدر لتسمح بالاستبداد و في هذا الكوريدور تختلف نسبة الحرية ضمن هذا المجال و هذه تعطي مرونة للجبهة الداخلية. ثالثا ان الاردن تمثل بيت العرب فتفح باباها لمن ضاقت بهم الحياة الامنه من الاشقاء الى ان تتحسن الظروف الامنية و السياسية في بلادها دون منه او تضييق فهم اخوة و ضيوف اعزاء. هذه العوامل شكلت نموذجًا مرناً حافظ على الامن و الاستقرار و بالتالي لا بد من الحفاظ على هذا النموذج كون الهدف في الظروف الصعبة هو البقاء و الاستمرار و يعلو على حرية الاختيار.
برأيي أن هذا النموذج سحب من رصيده قليلا خلال الأعوام الماضية خصوصا بعد الربيع العربي تحت شعارات و طروحات متعددة تمثل برايي اجتهادات لبعض المسؤولين بنقل تجارب مجتمعات او دول اخرى دون مراعات الخصوصية و النموذج الاردني. لا بد أن اؤكد هنا ان هذا النموذج لا بد ان يعاد تدعيمه بطريقة واعية تراعي الظروف الحالية و وجود جيل شبابي لم يتعمق في وعيه هذا النموذج.
ذكرت في مقالي السابق أن هنالك حالة من عدم الرضا تجتاح المنطقة العربية ناتجة عن التباين بين ما يعتقد الفرد انه حق له معيشيا و سياسيا و بين الواقع و هذا التباين تغذية ظروف المحيط و وسائل التواصل الاجتماعي التي اظهرت للفرد و خصوصا جيل الشباب ظروف المعيشة في بلاد اخرى اكثر حظا سواءا من حيث الموارد او الامكانيات. ان شعور عدم الرضا كما ذكرت سابقا يؤدي الى فقدان التوازن المعرفي نتيجة اخراج العقل الباطن من منطقة الراحة و سيؤدي حتما الى احدى ثلاث مسارات؛ الاولى الشعور بالعجز مع السلبية و فقدان الانتماء و التذمر و النقد الدائم. الثاني الميل لتغيير الواقع من خلال العالم الافتراضي (الكتابة او الفيديو او غيرها) او على الارض من خلال الوقفات و الاحتجاج و الحراك و الثورة ان توفرت ظروفها. اما المسار الثالث فهو عقلنة الحالة بالميل لتغيير رؤية الفرد للواقع بدل تغيير الواقع و ذلك بمحاكمة الواقع ضمن موارد و امكانيات الوطن و الظروف المحيطة و الأطماع الخارجية و مستقبل الوطن.
بما أن الهدف هو الاستقرار و الأمن و عبور هذه المرحلة بسلام و ذلك من خلال العمل على تفعيل المسار الثالث و هذا يحتاج برنامج ثقافي مقنع قابل للتنفيذ و الاهم فتح ابواب الامل خصوصا لجيل الشباب ببرامج قابلة للتطبيق تنعكس على مشكلة الشباب الرئيسية و هي البطالة و قد ذكرت امثله على ذلك في مقال سابق. اضيف هنا بعض الافكار و الاسس التي تساهم في وضع آليات تعزيز المسار الثالث:
1. القدوات: خلال السنوات الماضية انتجت وسائل التواصل قدوات قائمة على محتوى فارغ اضاف برأيي لحالة عدم الرضا في جيل الشباب حيث الربح و الشهرة السريعة دون مضمون مقنع و للاسف تم تهميش القدوات الثقافية و الفكرية و العلمية و الاجتماعية لصالح نماذج المال و المصالح الآنية. لكن التأثير الحقيقي القادر على اعادة انتاج نموذج العقلانية لا يكون الا باعادة تدعيم القدوات ذات القيمة الثقافية و الفكرية.
2. الانضباطية في الخطاب: في بعض الاحيان تكون هنالك تصريحات لبعض المسؤولين فوقية و قد تكون صحيحة و لكنها تركز على النخب في حين ان المستهدف هو الجمهور بالعموم و الذين تحكمه العاطفة اكثر من المنطق.
3. جوهر الهوية الاردنية مرتبط بالهاشميين فالأردن كدولة حديثة قامت بهم و معهم و التكوين العشائري الاردني معتدّ بذاته و الهاشميين هم الحلقة التي تربط كل الهويات الفرعية العشائرية بالتالي فإن أي طرح للنيل من صلاحيات جلالة الملك او رمزيته يهدف بالاساس لنقض أساس الدولة الاردنية.
4. الطريق السريع لتعديل المزاج العام هو إصلاحات اقتصادية تنعكس على الوضع المعيشي اليومي و لكن شح الموارد تقف عائقا لذلك. برأيي التركيز في الخطاب و المبادرات على القطاع الشبابي حيث أن مشاكله محددة في البطالة و السعي للتقدير و الاعداد لفرص العمل في الخارج و هذه يمكن العمل عليها بخطاب ثقافي و برنامج مبادرات قابل للتطبيق و اقل كلفة كما ذكرت سابقا.
الخص و اقول أن هنالك خطاب شعبوي احيانا في وسائل التواصل يغذي حالة عدم الرضا الشعبي الناتجة بالاساس من وضع معيشي و ظروف اقتصادية و لكن هذا الخطاب و كأنه يقسم المجتمع الى أغلبية شعبية يسارية و نخبة رأسمالية و بالتالي يغذي حس طبقي مبني على مخاطبة العواطف و الآمال. يحتاج هذا الى اعادة تدعيم النموذج الاردني الذي حافظ على الامن و الاستقرار من خلال نموذج متعقل يأخذ بالاعتبار ظروف نشأة الاردن و عوامل استقراره و محدودية امكانياته و الظروف المحيطة غير المستقرة و اطماع دول و جماعات بزعزعة الاستقرار. هذا النموذج قام على تغيير رؤية الفرد للواقع من خلال تعميق الوعي الشعبي و المبادرات التي تعطي الامل للشباب و تعدهم للمنافسة في الأسواق الخارجية و الابتعاد عن الخطاب النخبوي الفوقي و يركز على الحوار و قبول الاخر و نبذ العنف و هذا لا بد من استعادته كاملا من خلال خطوات عملية تركز على القدوات الثقافية و العلمية الواعية المنتمية لوطنها و الساعية الى ان تبقى الاردن ليس فقط آمنا لمستقبل ابنائنا بل ايضا حضناً دافئا للأشقاء الذين جار عليهم الزمان و الظروف.