الانفتاح على سورية .. العودة المشروطة والاختبارات السياسية والأمنية الصعبة
د. عامر السبايلة
06-01-2025 08:26 AM
بدأ الانفتاح الدولي التدريجي تجاه سورية يتبلور بأشكال متعددة وعلى مستويات مختلفة، بالتوازي مع خطوات لافتة تخطوها الإدارة السورية الجديدة في محاولاتها للانفتاح على المستويين العربي والدولي. تُعد زيارة ممثلي الاتحاد الأوروبي، وزيري الخارجية في ألمانيا وفرنسا، محطة بارزة في مسار الانفتاح الدولي، لكنها ليست وحدها العامل الأهم. فالأبرز هو التحرك الذي بدأته الإدارة السورية تجاه الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي زارها وفد سوري شمل وزير الخارجية والدفاع ومدير الاستخبارات، في رسالة واضحة على الرغبة في تأسيس علاقات عميقة مع الدول العربية، مع التركيز على الأمن كبوابة رئيسية لبناء الثقة. هذه التحركات تُظهر توجهاً جديداً، يسعى إلى إعادة سورية إلى الحضن العربي بعيداً عن السياسات التقليدية التي ميزت علاقة النظام السابق مع إيران. مع ذلك، يواجه هذا التوجه اختبارات صعبة. فما يزال البعض يخشى من أن تكرر الإدارة السورية الجديدة أخطاء الماضي، وأن تحل تركيا محل إيران كطرف ذي نفوذ إقليمي في سورية، مما يعيد إنتاج نموذج التبعية بأشكال مختلفة.
إن إعادة تأهيل العلاقة مع الدول العربية تُعد خطوة أقل تعقيداً مقارنة بإعادة التأهيل على المستوى الدولي، الذي يبدو أكثر صعوبة وتشابكاً. من الجانب الأوروبي والأميركي، تتضح المطالب عبر ضمانات وخطوات عملية ملموسة، مع ضغوط متزايدة على ملف الوجود الروسي في سورية. وهو ما عبرت عنه وزيرة خارجية ألمانيا بقولها الصريح: "حان وقت مغادرة القواعد الروسية من سورية." أما من الجانب العربي، فإن الابتعاد عن إيران، حتى لو لم يُعلن بشكل صريح، سيظل شرطاً أساسياً لأي انفتاح عربي مستدام.
الحقيقة أن التحديات لا تتوقف عند المستوى الخارجي؛ فالداخل السوري يشكل الامتحان الأصعب، فما تزال الإدارة السورية بحاجة إلى تحويل التصريحات الى خطوات عملية على الأرض. وصفة إدارة سورية الجديدة، وبالرغم من القناعة بأنه يستحيل إرضاء الجميع، إلا أن التوافقات بصيغتها العامة في المرحلة الأولي هي التي ستحدد معيار نجاح الوصفة السياسية. أما التحدي الأمني، والقدرة على السيطرة على الجغرافية السورية فهو امتحان لا يقل أهمية عن أي امتحان آخر، عودة منظمات الجريمة للعمل على الأرض السورية، فما تشكل على مدار سنوات طويلة من أرضية لتهريب السلاح والمخدرات من الصعب أن يتُرك بسهولة، لا بل يمكن توريثه وإعادة تفعيله من قبل أطراف جديدة، مما يعني ان مسألة التحديات الأمنية ستبقى حاضرة بقوة في المرحلة القادمة ليس في داخل سورية فقط، بل في الإقليم بشكل كامل، وهو ما قد يتوافق ايضاً مع العودة القوية لتنظيمات إرهابية تجد في الأرض السورية فرصة لإعادة العمل والانطلاق باتجاه الدول المحيطة في محاولة لإذابة الحدود التقليدية وإثبات وجودها على الأرض وفرض واقع جديد في ظل مشهد مفتوح علي كافة الاحتمالات.
على المستوى العربي، من الواضح أن السعودية بدأت التحرك السريع تجاه دمشق، في محاولة لملء مسبق لأي فراغ قد يتشكل في سورية، وفي الوقت نفسه حتى تمنع ملء هذا الفراغ من أي قوى إقليمية وتبقي على مسألة المرجعية العربية السعودية أساساً للمرحلة القادمة. هذا التحرك السعودي والذي قد يدفع بمعظم الأطراف العربية لاحقاً للانفتاح ولو تدريجياً على الإدارة السورية الجديدة، بالرغم من تخوفات البعض وعدم وجود ثقة مسبقة مع القوى الجديدة.
أردنياً، لابد من قراءة أي تحرك استباقي كضرورة تفرضها الاحداث وتسارعها في الإقليم، فالأردن بحاجة لاحتواء أي تداعيات سياسية وأمنية يمكن ان تشهدها المنطقة في الأسابيع القادمة، تحركات التنظيمات الإرهابية، وعودة عصابات الجريمة، والتحركات الإسرائيلية التي تستعد للعمل في الجبهات المصنفة تهديداً لإسرائيل، ورغبة ايران بعدم الخروج من المشهد بشكل كامل، واستشعار حزب الله، ان المرحلة الاولى من الحرب الإسرائيلية نجحت في تحويل الحزب من قوة إقليمية، الي حزب لبناني محلي حامل للسلاح، كل هذه المعطيات تدفع باتجاه ضرورة تبني استراتيجية استباقية تأخذ بعين الاعتبار الحاجة لدعم استقرار سورية، لكنها في الوقت نفسه تستعد للتداعيات الأمنية المحتملة التي يمكن ان تشهدها الساحة السورية وتلقي بظلالها على الإقليم.
الغد