facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سورية .. التموضع الاستراتيجي وإعادة إنتاج الدولة الجديدة


د. ماجد العبلي
05-01-2025 04:36 PM

إن المواطن العربي المسكون بهموم الأمة لَيَنظُرُ إلى إعادة بناء الدولة الجديدة في سوريا نظرة المتفائل الحذر؛ لأن الذاكرة مثقلة بخيبات الماضي والحاضر..

ولكي تنجح تجربة الدولة السورية الجديدة، فلا بد لها من:

أولا: حسم تموضعها الاستراتيجي الخارجي من جانب.

ثانيا: حسم مبادئ إعادة إنتاج الدولة السورية داخليا من جانب آخر.

وبخصوص التموضع الاستراتيجي؛ فلدى سوريا الجديدة على المستوى العالمي ثلاث خيارات هي: الانحياز للغرب (أمريكا وأوروبا الغربية)، أو الانحياز للشرق (روسيا والصين)، أو عدم الانحياز، واتباع سياسات وطنية استقلالية متوازنة..

وأما على المستوى الإقليمي فلديها أربع خيارات هي: التحالف مع تركيا، أو التحالف مع السعودية ودول الخليج، أو التحالف مع الكيان المحتل، أو اتباع سياسات وطنية استقلالية متوازنة مع أقطاب الإقليم..

وكل خيار من هذه الخيارات المحتملة سيفرض واقعا مختلفا وسيناريوهات متعددة، وهذا مبحث طويل ومتشعب يمكن استعراض تفاصيله في مقالات متعددة مستقبلا..

أما في هذه المقالة فسيتم تسليط الضوء على مبادئ إعادة إنتاج الدولة السورية الجديدة، حيث لدى سوريا الجديدة مساران:

إما الالتزام بنمط الدولة العربية التقليدي العقيم القائم المخيب للآمال، والسقوط مجددا في جُحر تراثه السياسي القاتل الذي رَبا على مجموعة من المبادئ المتخلفة الفاسدة منذ خمسينيات القرن الماضي وأهمها: المغالبة، والأحادية، والموالاة، والاستلاب، والتسوّل، والإفراط، والتفريط، والروبوت، والإلغاء، والاستهتار.

وإما إعادة بناء الدولة الجديدة على مبادئ استراتيجية إنسانية حضارية بديلة تضع سوريا في مصاف أكثر الدول تحضرا وهي: الشرعية، والتعددية، والانتماء، والاستقلال، والإنتاجية، والعدل، والوطنية، والمواطنة، والاعتراف، والحكمة.

وسيتم توضيح المقصود بهذه المبادئ المتخلفة الفاسدة، ومن ثَمَّ طرح بدائلها الإنسانية الحضارية على النحو التالي:

1- مبدأ المغالبة:

تمثل المغالبة طريقة الاستيلاء على السلطة السياسية في التجربة التاريخية العربية الممتدة منذ عهد معاوية بن أبي سفيان ولغاية تاريخه، حيث يتم التسليم للغالب بالسلطة، إذ تُعدُّ الغلبة مصدر شرعية الأمر الواقع.

أما البديل المطلوب فيتمثل بمبدأ الشرعية الدستورية التي تقنن تداول السلطة السياسية سلميا، وتخلق بيئة سياسية تعددية آمنة تتنافس فيها كل القوى السياسية لنيل ثقة الشعب الذي يمنح السلطة عبر الانتخابات العامة لطرف سياسي أو أكثر للمدة المحددة دستوريا.

2- مبدأ الأحادية:

تتمثل الأحادية بعدم وجود (نظام سياسي) في الدولة العربية المعاصرة، وإنما بوجود (نظام حاكم) يحتكر الحقيقة والشرعية والسلطة والثروة والإعلام، ويضفي على نفسه صفات القداسة أو الألوهية، ويوظف الدولة وكل مواردها لبقائه واستقراره واستدامة ثقافة الأحادية التي تُعليه فوق الوطن.

وأما البديل المطلوب فيتمثل باعتماد مبدأ التعددية والتي تعني بناء (نظام سياسي) يقوم على ركنين: الحكم والمعارضة (المتعددة)، حيث تتشارك كل الأطراف السياسية الحقيقة والشرعية والإعلام، وفق تنافسية دستورية آمنة على السلطة والثروة، لتوظيف الدولة وكل مواردها لصون الاستقلال والسيادة الوطنية، وتحقيق أمن ورفاه المجتمع، وضمان حقوقه وحرياته.

3- مبدأ الموالاة:

تتمثل الموالاة بتقديم الحاكم ونظامه على الوطن، حيث يصبح الحاكم مقدسا لا يجوز نقده، ما يفضي إلى تراجع كل القيم الوطنية لتغدو هامشية، فيضيع الوطن.

وأما البديل المطلوب فيتمثل بتكريس مبدأ الانتماء للوطن كقيمة جمعية عليا مهيمنة على كل القيم الوطنية الأخرى، حيث تتم ترجمتها عمليا من خلال الإخلاص للمصالح الاستراتيجية الوطنية المجمع عليها سلفا باعتبارها مرجعية عليا تسمو على مؤسسة الحكم والجماعات والأشخاص؛ الأمر الذي سيوحّد المجتمع، ويضمن استقراره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والنتيجة دولة وطنية قوية.

4- مبدأ الاستلاب:

يتمثل الاستلاب بخضوع النظام الحاكم العربي الكامل المستدام للقوة الدولية الكبرى تحت تأثير الانهزام أو الانبهار الحضاري، أو تحت تأثير المصالح النخبوية، أو الضغوطات والمساومات؛ ما ينشئ أزمات خانقة مستدامة ما بين الشعب والنظام الحاكم يمكن انفجارها أو تفجيرها في أية لحظة.

والبديل المطلوب هو مبدأ الاستقلال الوطني، وتحصين الجبهة الداخلية وتمتينها عبر الاستجابة الكاملة لاستحقاقات البيئة الوطنية الداخلية كأولوية عليا غير قابلة للتصرف، ومقاومة الضغوط الخارجية عبر توسيع دائرة الشركاء الوطنيين في عملية صنع القرار، واستثمار وتوظيف الإطار التشريعي للمجتمع الدولي.

5- مبدأ الإفراط:

يتمثل هذا المبدأ باتّباع النظام الحاكم العربي استراتيجية الإفراط في الظلم والقسوة في تعامله مع الداخل الوطني المجتمعي عبر تكريس سياستي القمع والإفقار ضد الشعب، الأمر الذي كرس العداء ما بين السلطة والشعب، والنتيجة دولة خاوية على عروشها.
ومقابل ذلك فإن المطلوب تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يضمن الحد المقبول من الحرية والرفاه؛ ما يفضي إلى نمو مجال عاطفي ما بين السلطة والشعب.

6- مبدأ التفريط:

ويتمثل بتفريط النظام الحاكم بالمصالح الوطنية والقومية تحت الضغوطات الداخلية والخارجية؛ ما أدى تاريخيا إلى ضياع منجزات كبيرة تم تحقيقها باستثمار كل موارد الوطن لزمن طويل، وهدر مواطن القوة التي تم بناؤها بالدم والعرق، وهدر الموارد المستدامة التي كان يتوجب صونها لضمان جودة مستقبل الأجيال القادمة.

والبديل المطلوب هو مبدأ الوطنية بمعنى التمسك الاستراتيجي بالمصالح الوطنية العليا وعدم التهاون بها أو تجزئتها تحت أي ظرف من الظروف، وهذا من شأنه تعبئة الموارد الوطنية واستثمارها لتحقيق رفاه المجتمع ومنعة الدولة.

7- مبدأ التسوّل:

يتمثل التسول بانتهاج النظام الحاكم العربي استراتيجية الاعتماد على القروض والمنح الخارجية لتغطية النفقات الحكومية الجارية المبالغ بها؛ لضمان استدامة الاعتماد على الخارج، وتعطيل الموارد الوطنية، وهدر كل الفرص المتاحة، ما يعني الانكشاف الاستراتيجي للعالم الخارجي.

والبديل المطلوب هو تفعيل مبدأ الإنتاجية بمعنى الانتقال إلى استراتيجية الإنتاج الوطني والمتمثلة بالاكتفاء الذاتي المبني على برامج التنمية الرأسمالية الشاملة بعيدة المدى التي تشغل مختلف الموارد الوطنية وتستثمر كل الفرص المتاحة، لتحقيق المنعة الاستراتيجية الوطنية.

8- مبدأ الروبوت:

يتمثل مبدأ الروبوت بتعامل النظام الحاكم العربي مع المواطن العربي وكأنه (روبوت: لا يملك إرادة ولا إحساسا)، بحيث تتم برمجته وإعادة برمجته مرارا وتكرارا باتجاهات متناقضة حسب مصالح وأهواء النظام الحاكم دون أية مقاومة؛ الأمر الذي يقتل الثقة الشعبية بالنظام الحاكم.

والبديل المطلوب هو تكريس مبدأ المواطنة بمعنى التعامل مع المواطن العربي بصفته إنسانا حرا ذكيا كامل الأهلية يملك إرادة ذكية وإحساسا عاليا بالكرامة وذاكرة فاعلة، وأنه جزء من مجتمع يتمتع بالحقوق المدنية، وأن اتجاهاته تمثل بوصلة للإرادة الشعبية التي يتوجب على الحاكم الاستجابة لها على الدوام.

9- مبدأ الإلغاء:

يتمثل مبدأ الإلغاء باتّباع النظام الحاكم العربي استراتيجية اجتثاث المعارضة جذريا بكل ما يملك من أدوات القوة والسلطة بكل قسوة وعنف لإلغائها، وإغلاق كل المسارات الذاتية الخلفية لاحتمالية العودة أو العدول عن هذه السياسة مستقبلا.

والبديل المطلوب هو اعتماد مبدأ الاعتراف بالمعارضة مكوّنا وطنيا شرعيا، والتعايش مع فكرة أن المعارضة قد تكون شريكا له في الحكم أو بديلا عنه على المدى المتوسط أو البعيد؛ فلا يثخنها بالجراح، كي لا تثأر منه حين تدور عليه الدوائر، ولذا عليه أن يحافظ على سلامة طرق العودة.

10- مبدأ الاستهتار:

يتمثل مبدأ الاستهتار باتّباع النظام الحاكم العربي استراتيجية التهاون في المشاكل التي تواجه المجتمع والدولة والوطن، حيث يَعْمَدُ لإغلاق ملفاتها على علاتها تعسفيا دون أي حوار وطني؛ بحيث تظل جراحا قابلة للنكْءِ والنزف عند أي منعطف وطني؛ ما يجعل السلم المجتمعي معرضا للانهيار لأتفه الأسباب.

والبديل المطلوب هو اعتماد مبدأ الحكمة بمعالجة المشاكل التي تواجه المجتمع والدولة والوطن عبر حوار وطني عقلاني وموضوعي وواقعي، للتوصل إلى حلول مؤسسية استراتيجية جماعية مهما كانت التكاليف؛ لتحقيق الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي المستدام..

وإذا كان الحديث اليوم يتركز على سوريا، فإنه موجّه بالقدر نفسه لكل الأنظمة العربية الحاكمة لكي تعمد إلى خطة استراتيجية وقائية لإصلاح بُنى أنظمتها للتخلص تدريجيا وبوتيرة نشطة من المبادئ الفاسدة وإحلال المبادئ الإنسانية الحضارية مكانها للانتقال التاريخي بالدول العربية من دول متخلفة عقيمة هشة مكشوفة، إلى دول متحضرة حيوية قوية محصنة.

وإن تجاهل الأنظمة العربية لضرورة الإصلاح الاستراتيجي المشار إليه لن يقود الأمة العربية إلا إلى المزيد من الضياع والاستعمار..

والحديث ذو شجون..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :