المواطن الأردني أكبر المانحين
عمر الشوشان
05-01-2025 12:08 PM
في ظل النقاشات المستمرة حول الموازنة العامة للدولة، هناك حاجة ملحة لتصحيح الانطباع السائد بأن الأردن دولة تعيش على المساعدات الخارجية، هذا الانطباع الذي أصبح قناعة لدى بعض الأوساط السياسية والإعلامية في المنطقة، يتجاهل حقيقة أن المواطن الأردني هو الداعم الأكبر لموازنة الدولة واقتصادها، وأن الضرائب التي يدفعها خلال نشاطاته الاستهلاكية والخدماتية تمثل العمود الفقري للإيرادات العامة.
إسهامات المواطن الأردني في الأرقام
بحسب مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2025، قُدّرت الإيرادات العامة بنحو 10,233 مليون دينار أردني، منها 9,498 مليون دينار إيرادات محلية، في حين بلغت المنح الخارجية 734 مليون دينار فقط. هذا يعني أن الإيرادات المحلية تشكل ما نسبته 92.8% من إجمالي الإيرادات العامة، وهي نسبة تدحض فكرة الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية.
على صعيد آخر، ارتفعت نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية إلى 86%، مقارنة مع 81.6% في إعادة تقدير عام 2024. في المقابل، انخفضت نسبة تغطية المنح الخارجية للنفقات العامة إلى 5.9% فقط، مقارنة مع 6.3% عام 2024، هذه الأرقام تؤكد أن المواطن الأردني هو المساهم الأكبر في تمويل الدولة عبر الضرائب التي يدفعها يوميًا خلال استهلاكه للخدمات والسلع.
تحويلات المغتربين: دعم من الغربة
إلى جانب الضرائب المحلية، تلعب تحويلات الأردنيين المغتربين دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني، تشير الأرقام إلى أن هذه التحويلات تجاوزت 3.5 مليار دينار سنويًا في السنوات الأخيرة، هذه الأموال التي تأتي من كد الأردنيين في الخارج ليست مجرد مصدر دخل للأسر، بل هي رافد أساسي للاقتصاد، مما يجعلها شكلًا آخر من أشكال الاعتماد على الذات.
الاعتماد على الذات: مسيرة متراكمة
منذ عام 2004، تبنت الدولة الأردنية نهجًا تدريجيًا لتقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية. كانت نسبة المنح الخارجية إلى إجمالي الإيرادات العامة تبلغ حوالي 17.22% في الفترة بين 2004-2008، وانخفضت إلى 13.15% بين 2009-2013، ثم تراجعت بشكل أكبر إلى 11.18% بين 2019-2022. هذه الأرقام تعكس جهودًا وطنية مستمرة لتعزيز الاستقلال المالي والاعتماد على الموارد المحلية.
ضرورة الشفافية والعدالة في الإنفاق والتحصيل
إسهام المواطن الأردني في دعم الدولة من خلال الضرائب والتحويلات يفرض مسؤولية مضاعفة على الحكومة في إدارة المال العام بكفاءة وشفافية. من الضروري رفع كفاءة جباية ضريبة الدخل من أصحاب رؤوس الأموال والشركات الذين يشكلون نسبة غير مرضية من إجمالي الملتزمين ضريبيًا، مما يعزز عدالة التحصيل الضريبي.
تصحيح السردية الخاطئة
من الخطأ السماح باستمرار سردية أن الأردن يعتمد بشكل كامل على المساعدات الخارجية، إذ تشير الحقائق إلى أن المواطن الأردني يتحمل العبء الأكبر في تمويل الدولة، الضرائب المحلية وحدها تمثل أكثر من 90% من الإيرادات العامة، بينما تشكل المساعدات نسبة لا تتجاوز 5.9%.
الأردن قصة صمود وإصرار، بُنيت على عرق أبنائه وجهودهم في الداخل والخارج. المواطن الأردني هو المانح الأول لدولته، سواء من خلال ضرائبه أو تحويلاته من الغربة، لذلك فإن تعزيز ثقته في إدارة المال العام ومواجهة التشكيك في قدرة الدولة على الصمود هما واجبان أساسيان للدولة والمجتمع.
الأردنيون أثبتوا مرارًا قدرتهم على تحدي الصعاب، وما يحتاجه الوطن اليوم هو سردية جديدة تعترف بدور المواطن في تمويل الدولة، وتكرّس أهمية العدالة والكفاءة في إدارة الموارد العامة.