قصر بشير .. بوابة الموجب (صور)
عبدالرحيم العرجان
05-01-2025 12:02 PM
قصر فريد بقلب البادية يتربع حارسا على مدخل وادي "أرنون" الموجب الشرقي أبدع في تصميمه مهندسيه ليكون أيقونة معمارية صمدت 2000 عام.
قصر بشير ..
للشرق من بلدة القطرانة وبعد مسير 15 كلم أخذت أبراج القصر الأربعة بالظهور إلينا إلى أن انتهى الطريق المؤدي إليه لنستكمل الطريق وعيوننا تنظر بدهشة لهذا الصرح الفريد الغائر بقلب البادية بخلوة بعيدة كل البعد عن مظاهر المدنية وترفها إلا من طريق ترابي شبه ممهد آثرنا المسير عليه أفضل من عناء اهتزاز السيارة، والذي يأخذك بعزلة إلى المكان حيث كان مستقرا لأجدادنا العرب الأنباط ليدون بمراجع لبراون وميلار أوئل الرحالة الباحثين عن سحر الشرق.
قصر يجعلك تقف محتارا أمام هيبة مدخله وذهول مشهده بما يتمتع به بأسواره العالية المنيعة وأبراجه الأربعة التي يتجاوز ارتفاع أطلالها عشرة أمتار ببناء من صخور وطين من ذات المكان وقد أكسبه خصائص نظرية الإظهار والإخفاء بفنون العمارة ووحي الغموض، متربعا فوق تلة تشرف على مدخل وادي الموجب وروافده، وعلى التلال لتتبع عابري الطريق التجاري القديم الرابط بين عاصمتي البتراء وتدمر من نوافذ لم تغب عنها أعين الجند والحراس، ومن بداية مشاهدة القصر يوحي لك بسرية ما فيه لارتفاع نوافذه ومتانة بنائه إذ جاء حاد الزوايا وقد صمد ما يقارب الألفي عام .
ولا عجب أن مهندس استوديوهات القلعة الفرنسية بوادي رم قرب بلدة الشاكرية قد استوحاها من هنا حيث نقف بإجلال على أعتاب التاريخ ليحقق أقوى عناصر التشويق بالهندسة والتصميم.
هندسة العمارة..
يشد انتباهك هيبة البوابة وملحقاتها من برجين متماثلين لحمايتها المضافة على مقدمة القصر إلى جانب أبراج الزوايا الرئيسية الأربعة، كما أن هناك نقش لاتيني نقب بالحجر الرئيس الذي اعتلى الباب مؤرخا تاريخ استكمال البناء الروماني بعام 306 م فوق قواعد عربية نبطية، ومن فوقه عقد وسقاطات حجارة ونار للحماية من أي اعتداء تفضي بك إلى الفناء الرئيس يتوسطها بئري ماء نقبا بالصخر وثالثهم أمام البوابة وآثار قنوات لجمع الماء من أسطح غرفة الإثنين وخمسين والتي بنيت بانتظام مع الجدار الرئيس بحجارة تعشقت وتداخلت بسماكة متر ونصف وبعضها يزيد عن ذلك، فهذة الأروقة والغرف الثنائية الطوابق كانت يوما إسطبلات للخيل ومقرا للحاكم وحاشيته والجند كما استخدمت كمستودعات مؤونة وسلاح للتوافق والذي شجع الرومان لاستكمال بنائها وتوسعتها للسيطرة على المكان إبان حروبهم مع القبائل بالبادية الأردنية، ومن نوافذ أبراجه الثلاثية الأدوار تستطيع مشاهدة حصن أبو الخرق والعال وفي الأفق البعيد قصر الثريا وخربة مليح والرهاد وقلعة القطرانة على الطريق الصحراوي، وقد لفت انتباهنا أن هناك ممرا معقودا محدود الإتساع يفضي إلى بوابة أسفل البرج.
وكما جلنا داخل القصر شدتنا الأسوار للدوران حول البناء المربع الشكل بمساحة إجمالية 3000 متر مربع عجز عن اسقاطها ما ضرب المنطقة من زلازل ويستدل على أثرها الشقوق الطولية بالجدران.
البركة القديمة ..
وبعد مسير 500 متر وصلنا بركة القصر المتزامنة معه بالإعمار والمساحة زمن البناء تقريبا جمعت شيء من خير السماء . استوقفنا هناك نداء راعي للإبل مرحبا بوجودنا بسعادة وجاء لسقايتها متسائلا إذا كنا نريد أي مساعدة ( وهذه عادة العرب على أرضهم في الكرم والضيافة).
ومع أن زيارتنا في بداية موسم الشتاء إلا أنه تجمع في حوضها بعض الماء وتحرص البلدية على تنظيفها وتعمل على إزالة الأتربة المتجمعة بقاعها بنهاية كل صيف، فهي مصدر سقاية متوارث عبر الأجيال والتاريخ، يتجمع بها الماء عبر شعابها الرئيسي القادم من الجانب الشمالي المنساب عبر قناة ومصفاة أتربة قبل أن يصب بقلب البركة، والملفت للنظر في أسلوب بنائها أن المداميك العلوية السبعة من البازلت الصلب لضمان التماسك قد يكون تم إحضاره من سهل البالوع أقرب الأماكن المتواجد به هذا الخام من الحجر.
مصن التخزين ..
ومن هناك وعبر التلال استكملنا طريقنا عبر الفضاء المفتوح من البادية مرورا بأطلال استقرار ومدافن من عصور مختلفة لمن سكن أو من مات مرتحلا على طريق الحج والتجارة، كنا عبرنا فيها بشعاب واجتزنا تلال خاوية بلا بشر ، وفيها من التأمل والصفاء الذهني الشيء الكثير فلا أجهزة هواتف ترن ولا ضوضاء سيارات.
وبين ثنايا الجبال استكمل الأهالي بناء منازلهم التي هجروها والمعروفة " بالمصن" وهي عبارة عن مخازن مؤون وأعلاف ماشية، والفارق بينها أن مصن المؤن تكون أرضيته صخرية خالصة وبنائه مصقول خشية أن تنسل إليه القوارض وتتلف ما فيه من سمن وحنطة ومن ميزاته أنه يحافظ على ما خزن بفعل برودة صخر الجبل، وهو عبارة عن تجويف يغلق ببناء جدار من حجر وطين وبه منفذ صغير كالنافذة في الأعلى يحمي ما فيه من جفاف حر الصيف ويقي من رطوبة مطر الشتاء.
وادي السلايطة ..
ومن شعاب يفضي إلى شعاب آخر حسب مسارنا المرسم إلكترونيا وعبر برك وبحيرات تجمعت فيها مياه الأمطار بفطرتها كنا وصلنا للملتقى العلوي لوادي السلايطة الذي يعتبر الجزي السفلي منه مقصدا لسياحة المغامرة والراحة والإستجمام بطبيعته الجيولوجية المتعددة، البرك المنقبة بالصخر بفطرة الطبيعة ودوام مياهها التي تصب في سد الموجب بعد أن تلتقي بمجرى وادي القطار الذي تحدثنا عنه بمقالنا السابق.
وهناك كانت استراحتنا لنتجه مع مجرى الوادي كدليل نحو الغرب عبر المسار متخللين تضاريس متباينة بين شوامخ الجبال روت ما فيها من بيارات ومزارع من ماء الوادي، ففي كل زاوية مشاهد إلى أن بلغنا الطريق الترابي المفتوح لخدمة أصحاب الماشية ونقل محاصيل المزارع متسابقين مع شعاع الغروب المنسل بين ما تبلد من سحاب معانقا قمم الجبال الشوامخ وبطون أوديتها، مشاهد تنسيك جهد ختام المسار بصعود جبلي متواصل يبلغ ثلاثة كيلو مترات، وبذلك نكون قد أتممنا مسارنا الصحراوي السهل التضاريس قاطعين مسافة 22 كلم بسلام.