أستاذ جامعي يسخر من حماية الأقليات في سوريا
م. وائل سامي السماعين
04-01-2025 05:44 PM
في إحدى المقابلات التلفزيونية على قناة عربية معروفة بمناقشتها المستمرة لمستجدات الأوضاع في سوريا، أثار أستاذ جامعي مرموق، يُستضاف باستمرار لتحليلاته العميقة، استغرابي عندما سخر من مطالب الاتحاد الأوروبي بحماية الأقليات وضمان مشاركتهم في نظام الحكم السوري. هذه السخرية لم تكن مجرد زلة لسان، بل عكست نمطًا شائعًا في طريقة التفكير التي ترفض أي مقترح يأتي من الغرب، حتى وإن كان يصب في مصلحة المجتمع المحلي.
الأستاذ الجامعي لم يكتفِ بالسخرية من المطالب الأوروبية، بل وجه انتقاداته أيضًا لبعض الأصوات العربية التي تدعو إلى ضمان مشاركة الأقليات في صياغة الدستور والمشاركة في الحكم . واعتبر هذه المطالب مجرد تقليد أعمى للنموذج الغربي، وكأن حماية الأقليات وإشراكهم في الحكم تُعد جريمة أو ترفًا سياسيًا لا ضرورة له.
أن الذاكرة التاريخية الحديثة للعالم العربي تزخر بتجارب أليمة فيما يتعلق بمعاملة الأقليات وحقوق الإنسان والمرأة. فقد شهدت المنطقة انتهاكات جسيمة على أيدي أنظمة شمولية، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا، حيث تعرضت الأقليات والمعارضون لقمع ممنهج وتنكيل واسع. ولا تزال العديد من الدول العربية تعاني من آثار تلك الممارسات، حيث تبقى الجروح مفتوحة والذكريات المؤلمة حاضرة، شاهدة على التهميش وحرمان الأقليات من أبسط حقوقهم الأساسية.
هذه العقلية النمطية تعكس مشكلة أعمق تتعلق بالنظرة المتوجسة لأي نصيحة خارجية، حيث يتم تفسيرها تلقائيًا كتهديد للسيادة الوطنية أو تدخل غير مبرر. هذا الموقف يُغفل حقيقة أن حماية الأقليات ليست ترفًا سياسيًا أو استجابة لضغوط خارجية، بل هي ضرورة لبناء مجتمعات مستقرة ومتوازنة.
التقليل من أهمية هذا الموضوع يعكس نقصًا في الوعي بأهمية التعددية والمشاركة السياسية الشاملة. إن حماية الأقليات وإشراكهم في الحكم ليسا مجرد مطالب حقوقية، بل هما ركيزة أساسية لبناء مجتمعات آمنة ومستدامة. فمن الضروري أن ندرك أن التعامل مع قضية الأقليات يتطلب تجاوز التفكير النمطي والنظر إلى الأمر كجزء أساسي من أي مشروع وطني يهدف إلى بناء دولة حديثة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
ما نحتاجه اليوم هو قراءة جديدة وواعية لتاريخنا وتجاربنا، والتعلم من الأخطاء السابقة، والاعتراف بأن حماية الأقليات ليست مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات متماسكة ومستقرة. إن إشراك الأقليات في نظام الحكم وضمان حقوقهم هو استثمار في مستقبل الدول، وليس تنازلًا عن سيادتها أو تقليدًا أعمى لنموذج خارجي.
waelsamain@gmail.com