"شايف الضبع ويقصّ أثره".
نحتاج للتذكير بأن الحراك الإصلاحي الجديد في الأردن بدأ مبكرا، قبل الأحداث التي جرت في مصر وتونس. ونحتاج أيضا للتذكر بأنه بدأ بأفق ووعي لاحتياجات وأولويات محددة (تقريبا)، وأن كثيرا مما يجري من حراك حكومي وشعبي يبتعد كثيرا عن الفكرة الأصلية التي بدأت للإصلاح، ويمكن ملاحظتها والاستدلال عليها بحركة عمال الميناء والمعلمين وعمال الزراعة، وهي كما نعلم بدأت قبل أكثر من سنة. واليوم، في ضباب الحوار وطبخ الحصى والتداعيات الكثيرة جدا للحراك الإصلاحي، يجب ألا ننسى ما الذي نريده وما الذي لا نريده، وأن نتذكر لأجل ماذا تحركنا.
ولحسن/ سوء الحظ أن المطالب الإصلاحية في الأردن واضحة ومحددة ومقدور عليها، ويمكن تحقيقها من غير موارد وجهود إضافية، أو بموارد إضافية قليلة يمكن تدبيرها. فالأردنيون يريدون، ببساطة، العدالة وإصلاح التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. وتملك الحكومة اليوم لحظة تاريخية ونادرة للتحالف مع الحراك المجتمعي والشعبي لتحقيق أهم ما يتوق إليه الأردنيون. ففي حراك المعلمين وأطباء القطاع العام، يمكن ببساطة تشكيل تحالف اجتماعي سياسي لإصلاح التعليم والصحة على النحو الذي يجعل الأداء الحكومي في هذين المجالين على مستوى من الكفاءة والجودة يمكن ملاحظته ببساطة في الإقبال على المدارس الحكومية وفي نتائجها في الامتحانات، وفي المقارنة بين القطاع العام والقطاع الخاص في الخدمات التعليمية والصحية، أي في اللحظة عندما يعود رأي الناس في الخدمات الحكومية بأنه أفضل من القطاع الخاص، وكان هذا التقييم موجودا ونتذكره.
وفي الرعاية الاجتماعية، يمكن لصندوق المعونة الوطنية أن يغطي الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لجميع الفئات غير المشمولة في المؤسسات والأعمال، مثل المزارعين والسائقين والعاملين في المؤسسات الصغيرة. ولا يحتاج الصندوق لتحقيق ذلك سوى إعادة توزيع الموارد والنفقات التي تبذل في هذا المجال، وهي بالمناسبة كبيرة جدا، وربما أكبر مما تحتاج الرعاية الاجتماعية بالفعل، ولكنها تنفق في مجالات غير الأولويات والاحتياجات الحقيقية.
لا نحتاج للارتقاء بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية سوى رفع كفاءة العمل وإعادة التحالف والمشاركة مع المعلمين والأطباء وإعادة توزيع النفقات والموارد. وما يحتاجه ويطالب به المعلمون والأطباء والعاملون في وزارة التنمية وصندوق المعونة الوطنية هي حوافز ومطالب عادلة في أغلبها ويمكن توفيرها. وبالنظر إلى ما يمكن الوصول إليه نتيجة هذا التفاهم، فإننا نستطيع بذلك تحقيق 75 % من الاحتياجات والتطلعات.
ويفترض أن هذه المطالب الإصلاحية في التعليم والصحة والرعاية موضع اتفاق وإجماع لدى الحكومة والمجتمعات، ويمكن بالتفاهم والمشاركة حولها تخفيف الاحتقان السياسي وتخفيض حدة التوتر الشعبي والاجتماعي، وتحقيق قدر كبير من الرضا، وتنفيس حالة الغضب والتذمر السائدة. هذا إذا كانت الحكومة تريد بالفعل تخفيف الاحتقان والغضب، وأخشى أنها تريد العكس!
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
(الغد)