البرنامج النووي الإيراني
الأستاذ الدكتور خليفه ابوسليم
04-01-2025 01:30 PM
بداية لابد من ملاحظة ان هدف ايران الأساسي من البرنامج النووي هو انتاج السلاح بغض النظرعن اي تبريرات قد تساق خلاف ذلك. فتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير صراحة الى العلاقة بين عدم التزام ايران باتفاقيتها الشاملة الموقعة على معاهدة الحد من انتشارالأسلحة النووية وقدرتها ورغبتها للحصول على السلاح النووي، علاوة على تعديلها للعقيدة النووية بمايشير ضمنا الى السلاح النووي. اضف الى الأدلة المتوفرة، عدم تصريح ايران الكامل عن المواد او الأنشطة النووية في اربعة مواقع نووية على الأقل مما يخالف اتفاقية الضمانات.
لقد ادركت الدول النووية، اضافة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغبة ايران وسعيها الدؤوب لامتلاك السلاح النووي، حيث مارست هذه الدول ضغوطا متعددة مما اسفر عن الإتفاق في مايعرف باتفاقية 3+3 في عام 2015 والذي سمح بموجبها لإيران بامتلاك حوالي 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة 3.67% وهي الدرجة اللازمة لتشغيل محطات الطاقة النووية المولدة للطاقة الكهربائية.
اضافة الى السماح باستخدام اجهزة الطرد الأساسية غير المتقدمة في عملية التخصيب. هنا لابد من ملاحظة ان الإتفاقية قد اشارت صراحة الى عدم امكانية استخدامها كسابقة يتم البناء عليها لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع دول المنطقة، وبالتأكيد فإن الدول العربية هي المقصودة بهذه الفقرة من الإتفاقية.
تعتمد التقارير الدولية على مجموعة من الأدلة التي تثبت ان الهدف الأساسي من البرنامج النووي الإيراني هو انتاج السلاح النووي، ومن هذه الأدلة:
- نشاطات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحاجة للإستخدام السلمي: لقد وصلت مستويات التخصيب وكميات اليورانيوم والبلوتونيوم التي تمتلكها ايران الى الحد الكافي لتصنيع عدة اسلحة نووية. اضافة الى اعتراف ايران بامتلاكها لجميع مكونات السلاح النووي والذي يحتاج فقط الى عملية التجميع. وتشتبه الوكالة بموقعي "نطنز وفوردو" لإجراء عمليات التخصيب اللازمة لإنتاج السلاح النووي.
- ابحاث تصميم وتطوير السلاح النووي: حيث تشير التقارير المخابراتية صراحة الى عمل ايران على تصميم رؤوس حربية نووية واجراء تجارب تفجيرية ومحاكاة حاسوبية، علما موقع "بارشين" العسكري متخصص بإجراء تجارب تفجيرية مرتبطة بالسلاح النووي
- منشآت التحويل والنشاطات غير المعلنة: تُتهم ايران بامتلاكها منشآت نووية غير معلنة وذلك بناء على معلومات استخبارية التي ادت الى كشف ايران عن منشأة "فوردو" في العام 2009 على سبيل المثال. كذلك فإن تقارير الوكالة الدولية للطاقة تؤكد مخالفة ايران لاتفاقية الضمانات وذلك بإخفائها لكثير من النشاطات وتقديمها تقارير مضللة او غير كاملة
- تطوير برامج الصواريخ البالستية: خاصة الصواريخ من نوع "شهاب" و "خورمشهر" القادرة على حمل رؤوس نووية. كذلك العمل على تطوير الصواريخ العابرة للقارات القادرة ايضا على حمل الرؤوس النووية، وتتعاون في هذا المجال مع الباكستان التي تزودها بخبرات وتكنولوجيا نووية، وكوريا الشمالية التي تزودها بخبرات في مجال الصواريخ. ذلك يعني ان ايران تملك الوسائل اللازمة لإيصال السلاح النووي والتي ستطيرفوق الأجواء العربية!!!
- مفاعل "آراك"الذي يستخدم الماء الثقيل والذي يعتبر الوسيلة الأهم لإنتاج عنصر البلوتونيوم والذي هو المادة الإنشطارية الأعنف والأكثر كفاءة كسلاح نووي.
لقد تم تضمين اتفاقية 3+3 نصوصا صريحة حول حق ايران باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية بمايتماشى مع معاهدة منع انتشار السلاح النووي وذلك في حال تطبيقها لبنود الإتفاقية كاملة. وتضمنت الإتفاقية ايضا بنودا حول متابعة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للأنشطة النووية الإيرانية حيث تطلب منها اتخاذ مجموعة من الإجراءات وتزويد الوكالة بالتوضيحات المطلوبة بشأن اتفاقية الضمانات النووية، ومنها تزويدها بمعلومات موثقة وتفسيرات حول وجود اليورانيوم في مجموعة من المواقع. كذلك تزويد الوكالة بالمواقع التي تحتوي على الأجهزة والمواد النووية او الملوثة بها والسماح للوكالة بالدخول الى المواقع التي تطلبها وتزويدها بالمعلومات التي تحتاجها.
ان مماطلة ايران وعدم تعاونها مع الوكالة يلقي ظلالا كبيرة من الشك حول نواياها بشأن التسلح النووي خاصة مع اعتراف المسؤولين الإيرانين حول توافر القدرات التسليحية والتي تحتاج فقط الى المرحلة النهائية وهي التجميع على شكل سلاح قابل للإستخدام. في هذا الإطار، تشك الوكالة في مجموعة من المواقع الإيرانية والتي يجري بها نشاطات نووية او تحتوي على مواد نووية غير مصرح بها ومنها:
- مخزن توركوز-اباد: الكشف عن وجود ذرات يورانيوم طبيعي معالج من خلال عمليات التحويل غير المعلنة حيث وجدت ذرات يورانيوم مستنفذ، وكذلك كشف وجود ذرات يورانيوم مخصبة ربما تكون قد احضرت من/او نقلت الى مواقع اخرى. اظهرت صور الأقمار الصناعية متابعة وتأكيد لتلك النشاطات
- موقع لافيزان-شيان: حيث كان الإدارة الرئيسة لبرنامج السلاح النووي التابع للخطة المسماة "آماد”. في هذا الموقع تم معالجة عشرة كيلوغرام على الأقل من معدن اليورانيوم، وانتاج الرقائق اللازمة للمعالجة الكيماوية. لقد وجد ايضا في هذا الموقع وثائق تتعلق بإنتاج مادة ديوترايد اليورانيوم التي تستخدم كمصدر نيوتروني للسلاح النووي
- منشأة طهران: وهي منشأة سرية انتاجية وعلى مستوى مخبري لتحويل اليورانيوم ضمن برنامج آماد. كانت المنشأة تستخدم لمعالجة خام اليورانيوم لتحويله الى اكسيد اليورانيوم وفلوريد اليورانيوم اللازمين لعملية التخصيب. لقد تم التخلص من هذه المنشأة وإجراء العمليات اللازمة لطمس معالمها واظهرت صور الأقمار الصناعية تلك الآثار. وقامت الوكالة بأخذ عينات بيئية اثبت وجود ذرات يورانيوم معالجة
- موقع ماريفان: واستخدم الموقع لإجراء اختبارات تفجيرية شديدة بوجود الدروع الإشعاعية إضافة الى موقع تخزين وتطوير حيث وجدت الوكالة اثار اليورانيوم في موقع الدعم والتطوير. تستخدم الصواعق النيوترونية (بادئات التفاعل النووي المتسلسل) لإنتاج مصادرنيوترونية كثيفة في زمن قصير يؤدي الى احداث الإنشطارات النووية المتسلسلة والتي ان حدثت بزمن قصيرتؤدي الى وقوع الإنفجار النووي وهو غاية السلاح، علما ان مرحلة اجراء الفحوص التفجيرية تعتبر من المراحل المتقدمة لإنتاج السلاح النووي
لقد نصت الإتفاقية 3+3 على مجموعة كبيرة من البنود المتعلقة بالنشاطات النووية والمصاحبة لها في مجالات كثيرة مثل العقوبات المفروضة على ايران والتحديات المالية والإقتصادية وبرامج الصورايخ... الخ. ومن ضمن البنود المطروحة:
- التخصيب والبحث والتطوير: حيث وافقت ايران على الحد من النشاطات المتعلقة بالتخصيب خلال الثمان سنوات الأولى من نفاذ الإتفاقية ومن ثم التطوير التدريجي للوصول الى مرحلة الإستخدام السلمي التجاري
- اجهزة الطرد: ستخرج ايران اجهزة الطرد المستخدمة في تخصيب اليورانيوم وتحتفظ بحوالي خمسة الاف (5060) جهاز في موقع نطنز. على ان استخدام اجهزة الطرد المتقدمة سيخضع لأهداف محددة وتحت اشراف الوكالة
- ستتحول منشأة فوردو والمخصصة للتخصيب الى موقع نووي وتكنولوجي لايحتوي على مواد نووية لمدة خمسة عشر عاما
- مفاعل آراك: وهو مفاعل يستخدم الماء الثقيل، بمعنى انه يمكن استخدامه في انتاج الأسلحة النووية، سيتحول الى موقع للبحث والتطوير النووي وانتاج النظائر الطبية المشعة
- الشفافية والمراقبة: ستطبق ايران اجراءات شفافة بما فيها المتعلقة بالبروتوكول الإضافي، اضافة الى سماحها للوكالة بمراقبة انشطتها النووية
- رفع العقوبات: بعد التأكد من تطبيق ايران لبنود الإتفاقية كاملة سيتم رفع العقوبات المفروضة وسيتم تسهيل اندماج ايران في القطاعات الإقتصادية والمالية الدولية
- حل النزاعات: بموجب الإتفاقية سيتم تشكيل لجنة مشتركة لمراقبة تطبيق الإتفاقية وحل الخلافات الناشئة
- عدم التعاون مع الوكالة: تتعمد ايران تخفيض مستوى التعاون مع الوكالة، في حالات كثيرة منها عدم السماح او تأخير دخول مفتشي الوكالة الى المواقع التي يرغبونها مما يضيف شكوكاً على النشاطات او المواد النووية في تلك المواقع. اضف الى ذلك فقد عمدت ايران الى ازالة بعض كاميرات المراقبة بعد الخروج الامريكي من الإتفاقية. لابد من الإشارة ايضا الى تعاون ايران مع شبكات نووية خارجية ومنها باكستانية وكوريا الشمالية واللتان تزودانها بخبرات وتكنولوجيا نووية وبالستية
وبعد، تمتلك ايران حوالي ستة اطنان من اليورانيوم المخصب منها حوالي 180 كيلوغراما بنسبة تخصيب تصل 60%. درجة التخصيب هذه يمكن رفعها بسهولة الى 90% وهي الدرجة اللازمة لتصنيع القنبلة حيث يلزم حوالي 42 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب لصناعة السلاح النووي. اضف الى ذلك، فإن ايران قد وصلت في درجة التخصيب الى حوالي 84%، اي انها اقتربت في فترة قصيرة جدا من مستويات تخصيب قريبة من مستوى السلاح النووي. ان امتلاك ايران للسلاح النووي يؤثر بالدرجة الأولى على الدول العربية المحيطة من عدة وجوه:
- يمكن ان تكون الأسلحة موجهة مباشرة الى الدول العربية
- يمكن ان تكون موجهة لإسرائيل كما تدعي ايران، وفي هذه الحالة فإن الدول العربية ستتأثر بالأسلحة لقرب المسافة وحتى تداخلها مع الدولة المقصودة
- بالتأكيد سيتم اعتراض الصواريخ في الأجواء العربية، كما رأينا مؤخرا، واسقاطها حيث تصبح اسلحة موجهة مباشرة الى الدول العربية
* أستاذ في الجامعة الأردنية