بين الواسطة والمحاسبة .. كيف يستعيد مجلس النواب دوره الرقابي؟!
محمود الدباس - ابو الليث
04-01-2025 08:10 AM
في مشهد سياسي يتكرر في العديد من الدول.. وتحديداً في الأردن.. نجد أن العلاقة بين الناخب والنائب.. قد تراجعت إلى مستوى من العلاقات المبنية على الخدمات الخاصة.. بدلاً من أن يكون النائب ممثلاً حقيقياً لصوت الشعب.. وحقوقه.. ونائباً للوطن بشكل كامل.. أصبح في كثير من الأحيان.. مجرد وسيط.. يتوسط لتلبية مطالب شخصية للمواطنين المقربين منه.. تتراوح بين الوظائف.. والترقيات.. والتنقلات بين المؤسسات الحكومية..
هذه الصورة.. رغم ما قد يبدو فيها من تلبية لاحتياجات الناس.. إلا أنها في جوهرها.. تضر بالنظام السياسي برمته.. وتُخلِّ بمفهوم الدولة المؤسساتية.. حيث تصبح الحكومة صاحبة اليد العليا في تحديد مصير السياسات.. بينما يصبح مجلس النواب مجرد أداة.. لتمرير القرارات الحكومية.. دون أي قدرة على المراجعة.. أو التعديل بما يخدم مصلحة المواطن..
ما يفاقم هذا المشهد.. هو أن الناخب نفسه يتحمل جزءاً من المسؤولية.. فهو من يدفع النائب دفعاً نحو الانشغال بالخدمات الخاصة.. عبر مطالبته المتكررة.. بتلبية احتياجات شخصية.. ويعتبرها مقياساً لنجاح النائب.. وفي ذات الوقت.. يطالب النائب بأن يكون صوت الشعب.. والمدافع عن حقوقه.. مما يخلق تناقضاً صارخاً.. بين توقعات المواطن.. وسلوكه الفعلي.. إذ لا يمكن أن نعظم الدور الرقابي والتشريعي للنائب.. بينما نضغط عليه لخدمة المصالح الفردية.. هذا التناقض يُضعف الدور الرقابي والتشريعي.. ويُرسخ ثقافة الواسطة.. التي تُعيق بناء الدولة المؤسساتية..
إن هذه العلاقة بين النواب والحكومة.. تخلق حلقة مفرغة.. فيسعى النواب لإرضاء ناخبيهم عبر الخدمات الخاصة.. بينما الحكومة تستغل هذا التوجه.. لضمان دعم البرلمان لقراراتها.. تلك القرارات التي قد تكون في كثير من الأحيان غير متوازنة.. أو حتى تتعارض مع مصلحة المواطن.. وبالتالي تصبح الموافقة على تلك القرارات من قبل النواب.. مجرد محض تصديق لطلبات الحكومة.. في ظل غياب الرقابة الحقيقية.. أو التعديلات الجوهرية.. التي من المفترض أن تُراعي مصلحة الشعب..
الحلول لهذه الأزمة.. تتطلب تشريعاً جريئاً وواضحاً.. يمنع النواب من التدخل في قضايا الخدمات الخاصة.. ويضمن أن تظل مهمتهم الأساسية.. هي الرقابة والتشريع.. إذ يجب أن يتم وضع ضوابط صارمة.. تحظر على النواب التورط في هذه المسائل.. التي هي بالأساس واجب الحكومة.. كالتوظيف.. والترقيات.. وغيرها من الخدمات.. التي يجب أن تتم وفق معايير وشفافية.. بعيداً عن المحسوبيات.. أو الواسطة.. ولكن.. وعلى الرغم من أهمية هذا التشريع.. يبقى السؤال الأهم.. هل سيجد هذا القانون آذاناً صاغية؟!.. وهل ستكون هناك إرادة سياسية حقيقية.. لفرض هذه الضوابط؟!..
ذلك لأنه في حال تفعيل هكذا تشريع.. سيصبح مجلس النواب.. وهو الذي لا يزال يحتفظ بموقعه كممثل للشعب.. مراقباً حقيقياً لكل تصرفات الحكومة.. وهذا سيحمل عبئاً ثقيلًا عليه.. في تصديه لتمرير أي قرارات.. قد تمس مصالح المواطنين.. وسيجعل الحكومة تحت المجهر دوماً..
من جهة أخرى.. يجب أن يدرك الجميع.. سواء في الحكومة.. أو في البرلمان.. أو بين المواطنين.. أن المصلحة العامة هي الأساس.. فالنائب القوي الذي يقوم بدوره الرقابي والتشريعي بحزم وعدالة.. هو النائب الذي يخدم الجميع.. دون الحاجة لاستثناءات أو واسطات.. وهنا يجب أن يبدأ التغيير من الناخب ذاته.. بأن يعيد النظر في مطالبه وتوقعاته من النائب.. وأن يضع مصلحة الوطن ككل فوق أي اعتبارات فردية أو فئوية.. فالتغيير في وعي المواطن.. هو الذي سيُمكّن مجلس النواب من استعادة دوره الحقيقي.. ويخلق منظومة سياسية أكثر نزاهة وشفافية..
إن التوازن بين مصلحة الحكومة.. ومصلحة المواطن.. لا يكون ممكناً.. إلا إذا أُعطي لكل طرف دوراً واضحاً.. لا يتعدى على الآخر.. وإذا تراجعت الحكومة عن استخدام البرلمان.. كأداة لتغطية قراراتها غير المتوازنة.. وسمحت لمجلس النواب بأداء دوره الرقابي بكل مهنية وحيادية.. فحينها فقط.. سنتمكن من بناء دولة حقيقية.. تقوم على العدالة والمساواة.. ويصبح للنائب دوره الحيوي في حماية حقوق المواطنين.. بعيداً عن المصالح الشخصية.. أو الفئوية..