ما الجدوى من مناقشة مشروع الموازنة؟
عوني الداوود
04-01-2025 12:50 AM
سؤالي ليس استنكاريًا ولا استفهاميًا، وإنّما رغبةٌ في إيجاد آلية وصيغة قانونية تجعل من مناقشة مشروع الموازنة، الذي يستغرق جهدًا كبيرًا من اللجنة المالية النيابية، ثم من جميع السادة النواب، ثم مالية الأعيان، فجميع السادة الأعيان، ويصدر عن «ماليتي المجلسين» كمٌّ كبيرٌ من التوصيات تستحق الأخذ بها والعمل على تنفيذ الكثير منها... ولكن كل ذلك - وللأسف الشديد - غير ملزم للحكومة. فلها أن تأخذ بتلك التوصيات، بعضها أو كلّها، أو لا تأخذ بها.
ولذلك فإنني أسأل وأتساءل (كما كثيرون يشاركونني السؤال): ما دام الحال كذلك، وما دامت صلاحيات النواب كما الأعيان تقتصر فقط على صلاحيات التوصية وتخفيض نفقات هنا أو هناك دون صلاحية زيادة دينار واحد، فلماذا كل هذه النقاشات والجلسات؟ ما دام الأمر في النهاية سيكون على قاعدة «ليس بالإمكان أفضل مما كان»؟!
مشروع قانون الموازنة أهم مشروع يُعرض على مجلس النواب، لأنه يمثّل برنامج عمل الحكومة (السلطة التنفيذية)، والذي على أساسه يمكن للنواب والأعيان (السلطة التشريعية) محاسبة الحكومة ومتابعة عملها على مدى عام.
مشروع الموازنة يتضمن كل التفاصيل المالية من نفقات تشغيلية ورأسمالية وإيرادات وفقًا لفرضيات تضعها الحكومة وتعمل على تحقيقها، خصوصًا ما يتعلق بالإيرادات. وتضع الحكومة خطة لتوفير التمويل اللازم لتغطية العجز في الموازنة، الذي يمثّل الفرق بين الإيرادات والنفقات.
وعلى الرغم من أهمية مناقشات مشروع الموازنة، إلا أنّ المشكلة تكمن في عدم وجود صلاحيات للنواب بإجراء أي زيادة. ولا يملك النواب خلال التصويت على مشروع الموازنة سوى قبول أو رفض ذلك البند من المشروع أو البند الآخر. كما لا يقوم المجلس عادةً سوى بإرفاق توصيات اللجنة المالية، بقبولها أو التعديل عليها أو الإضافة إليها، ووضعها بين يدي الحكومة.
ندرك تمامًا أن مساحة (المناورة) والتعديل في موازنة 60% من مخصصاتها تذهب للرواتب و20% فوائد ديون تبقى محدودة تمامًا، ولا مجال للإبداع فيها. لذلك فإننا نعتقد أنه قد آن الأوان للتفكير خارج الصندوق، والخروج بموازنة خلاّقة (غير تقليدية) تساهم بحق في زيادة نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية، وتساهم في تقليل نسبة المديونية، وترفع معدلات النمو القادرة على تقليل نسب البطالة وخلق فرص عمل، وصولًا لمستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي حتى العام 2033.
نريد موازنة لا تعتمد على الإيرادات الضريبية (وضريبة المبيعات تحديدًا)، إضافة إلى المساعدات الخارجية، بل موازنة تعتمد على الذات، من خلال إيرادات قطاعاتنا الاقتصادية الواجب تحفيزها وتعظيم إنتاجها وصادراتها. وفي مقدمتها: الخدمات والصناعة والزراعة والطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات وغيرها، وعودة الروح والألق للقطاع الأهم وهو القطاع السياحي. نعم، نتطلع لكل ذلك، وإذا لم يسعف الوقت في مشروع موازنة 2025 المعدّة من الحكومة السابقة، فإننا نتطلع إلى ذلك في مشروع موازنة 2026 الذي ستعدّه الحكومة الحالية.
نتوقع من مجلس النواب العشرين - بمكوناته الحزبية - وما يتوفر لدى تلك الأحزاب من برامج اقتصادية ومالية في العديد من مفاصل السياستين المالية والنقدية، إيجاد آليات جديدة لمناقشة مشروع الموازنة ومتابعتها. ولذلك فإنني أرى ضرورة ما يلي:
1. التشاور والتواصل (المسبق) بين مجلس النواب ممثلًا باللجنة المالية خلال فترة إعداد مشروع الموازنة وقبل إرسالها لمجلس النواب.
2. متابعة «فصلية/ كل ثلاثة شهور»، حقيقية من «مالية النواب» لمدى تنفيذ الحكومة لبنود الموازنة، وتحديدًا فيما يتعلق بالمشاريع الرأسمالية الجاذبة للاستثمار القادر على رفع معدلات النمو وخلق الوظائف.
*باختصار: نقدّر عاليًا الجهد الكبير الذي بذلته اللجنة المالية في مجلس النواب، والجهد الكبير الذي ستبذله اللجنة المالية في مجلس الأعيان، والتوصيات التي تخرج عن كليهما. ولكنّنا نتطلع إلى تثمين تلك التوصيات وذلك الجهد من خلال ترجمة عملية حقيقية من قبل الحكومة، للممكن والضروري من تلك التوصيات، حتى لا تبقى مجرد حبر على ورق.
ونحن نؤمن بأن تنفيذ التوصيات يعدّ تجسيدًا للعلاقة التشاركية والتكاملية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومصلحة عليا للوطن والمواطنين.
الدستور