القيادة السورية الجديدة لديها ذكاء سياسي وإستراتيجي
لؤي الجرادات
03-01-2025 07:20 PM
نجاح الثورة السورية في إسقاط النظام يعد حدث تاريخي في المنطقة، ما حدث يحمل معه حتماً تحولًا إستراتيجيًا في مسار الإقليم العربي كله ولا سيما أن الموقع الجيوسياسي التي تحتله سوريا مهم جدا، نجاح الثورة وإسقاط النظام سيؤدي إلى تفكيك التوازنات التي ظلت قائمة بسوريا وستبدأ في إنشاء توازنات جديدة، قد لا تظهر معالمها إلا بعد مسار الانتقال السياسي في سوريا، ويجعلنا مستقبلًا أمام وضع جديد بالكامل بعد الخسارة الإستراتيجية لإيران التي لم تتعرض لها في تاريخها السياسي المعاصر منذ حرب 1991على ايدي الثوار.
القيادة السورية الجديدة لديها ذكاء سياسي وإستراتيجي واضح ولا سيما بناء دولة المواطنة وبعد الذي عبّر عنها ثوار سوريا والأفق السياسي الجامع الذي ينشدون في خطابهم ومواقفهم، أي بناء دولة تستوعب التعددية، وخالية من المحاصصة، وتمنع انتشار السلاح خارج سلطة الدولة والقانون، وآفاق الحرية في مستقبل سوريا وبالنظر إلى الحركة الدبلوماسية الإقليمية والدولية الكثيفة التي أعقبت تحرير دمشق.
وفي استثمارها الدور التركي والقطري، بالإضافة إلى السعودية التي أتضح مواقفها عن مواقف دول أخرى حتى ألان، هذا وغيره أيضا سيشكل دعامة أساسية للسلطة الجديدة في سوريا، سواء في فك العزلة الدولية والإقليمية، أو في كبح التدخلات الساعية لإفشال المسار الانتقالي بسوريا، وإدخاله في دائرة العنف التغييرات الجيوسياسية الكبرى في الإقليم والمنطقة العربية أو في تحسين الاوضاع الاقتصادية.
القيادة السورية الجديدة لديها ذكاء سياسي وإستراتيجي في بناء دولة المواطنة حيث منحت تركيا دورًا رياديًا، وستجعلها فاعلًا مركزيًا في مستقبل المنطقة، وبصيغة أخرى؛ إنّ ما حدث كان من ثمار التنسيق بين تركيا ومكونات الثورة السورية في الشمال السوري، هذا التنسيق سيؤدي بالضرورة إلى شراكة إستراتيجية بين تركيا وسوريا ذات الموقع الإستراتيجي في المنطقة العربية وأن تثمر العلاقات التركية السورية بناءً يحقق مكاسب للطرفين، وتبادل خبرات، وتعاون مشترك يخدم الاستقرار السياسي والمجتمعي إن تحديات الراهنة، تفرض تعاونًا أكبر بين تركيا، وقطر، والسعودية، لذلك إن استكمال مسار الانتقال وبناء سوريا الجديدة، بحاجة إلى مركز الثقل السعودي والحيلولة دون التدخل السلبي لأطراف أخرى في المنطقة تتوهم القوة، وتحمل روحًا معادية للحرية والاستقلال الذاتي، وتستثمر في كل الوسائل المتاحة لتقويض مسار الديمقرطة والتحديث، وهو إلى ذلك يمنحها استعادة دورها الإقليمي المؤثر إيجابًا.
لا مبرر لمخاوف والهواجس التي تقلق بعض الساسة العرب من إسقاط نظام الأسد، إذ إن الحادث في مسار التاريخ ووعي الشعوب، ينتج حتمًا ارتدادات ويخلق طاقة جديدة لإرادة التغيير وتجديد الإيمان بأفق الحرية والديمقراطية والكرامة التي تمّ وأده بلغة القوة والنار، أو بالاحتيال الناعم كما جرى في عدد من الدول.
إن تحقق الحرية منجزةً على أرض الواقع، وزوال الأنظمة المستبدة، هي مسألة حتمية في المنطقة العربية، وكل الدلائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتجه في هذه المنحى، لذلك فإن المطلوب من الدول العربية التي لا تزل تراقب وتتردد اتخاذ خطوات اكثر وضوحا في دعم سوريا والحراك الدبلوماسي الإيجابي وخاصه رفع كافة العقوبات عنها.
الموقع الجيوسياسي الذي تحتله سوريا في قلب المنطقة العربية، يجعلها في صُلْب تحديات كثيرة قد تعيق الانتقال السياسي وغرق القُوَى الفاعلة الآن في تناقضات ثانوية، لذلك فإن القيادات الجدد تتصرف في ذكاء سياسي وإستراتيجي في مرحلة بناء دولة المواطنة التي تستوعب الجميع، وهي تعي وتدرك ثمة اختلف في طبيعته المرحلة بالتخطيط والقدرة على إنجاز تطلعات الشعب السوري عن مرحلة حرب التحرير واسقاط النظام .
والجميع يعلم كم كان مسار الثورة السورية شاقًا ومكلفًا، كما حمل السوريون معهم آلامًا لا حصر لها مع السجن الكبير الذي شيده نظام سياسي يحمل كل صفات الأجرام، لكن بحجم المعاناة التي قدمها السوريون قد يكون الكسب في معركة الحرية والتقدم كبيرًا، وقد يمتد أثر ذلك إلى كل المنطقة التي تنظر إلى الثورة السورية باعتبارها أنعطافه منحت بارقة الأمل للشعوب العربية، تستخلص منها العبر وتأخذ الدروس من أجل نهضتها التي تستلزم بناء نسق المواطنة والحرية والعدالة.