تركيا ومكاسب محتملة من التغيرات في سوريا
د. محمد خالد العزام
03-01-2025 04:21 PM
تقف تركيا اليوم أمام فرصة تاريخية لتحقيق مكاسب استراتيجية هامة في سوريا، بعد رحيل نظام الأسد، ومع ظهور القيادة الانتقالية الجديدة في دمشق قد تنتهج سياسة أكثر ودية تجاه أنقرة ومن المكاسب المتوقعة تتنوع بين تحسين العلاقات السياسية، وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وزيادة النفوذ التركي، إضافة إلى فتح المجال أمام عودة اللاجئين وتحقيق مكاسب جيوسياسية مهمة في مواجهة القوى الإقليمية المنافسة.
ومن خلال تتبع التصريحات الأخيرة من السياسين الأتراك والسوريين تتجلى أهم هذه المكاسب في إمكانية تحقيق هدف استراتيجي طالما سعت تركيا إلى تحقيقه، وهو منع تشكيل كيان سياسي للمنظمات الانفصالية المدعومة من حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، لاسيما قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومع استمرار التحولات على الساحة الدولية، ترى أنقرة أن هذه اللحظة قد تمثل فرصة حاسمة للتعامل مع هذا الملف الذي طالما شكل تهديداً لأمنها القومي وأداة ضغط خارجي على مدى العقد الماضي.
وترى تركيا أن المتغيرات التي حدثت في سوريا لتعزيز موقفها ، حيث تستند هذه الرؤية إلى عاملين رئيسيين:
1. توجه الإدارة الأمريكية الجديدة: إذ تأمل أنقرة في أن يؤدي احتمال انسحاب القوات الأمريكية أو تقليص وجودها إلى إضعاف مشروع قسد، مما يمنح تركيا حرية أكبر في التحرك ميدانياً.
2. التوجه نحو تسوية سياسية داخلية: يشمل ذلك دعوات لدمج الأكراد ضمن إطار سياسي داخلي جديد، خاصة في ظل التعاون المتزايد بين الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، وهو ما قد يساهم في تقويض نفوذ حزب العمال الكردستاني داخل سوريا.
وتعتمد أنقرة على ثلاثة خيارات رئيسية للتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، مرتبة وفق أولويتها الاستراتيجية:
1. دعم الحل السياسي الداخلي: إذ ترى تركيا أن القيادة السورية الجديدة قد تشكل فرصة لعقد حوار سياسي مع قسد يهدف إلى إنهاء مشروع الفدرلة وضمان وحدة الأراضي السورية.
2. تغيير سلوك قسد: يمكن لأنقرة أن تدعم جهوداً تدفع قسد لفك ارتباطها بحزب العمال الكردستاني والتخلي عن أي مشاريع انفصالية، مع إمكانية دمج العناصر السورية التابعة لها في مؤسسات الدولة السورية.
3. الخيار العسكري المباشر: في حال فشل المسارين السابقين، قد تلجأ تركيا إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، مستفيدة من الظروف المواتية حالياً لتحقيق مكاسب ميدانية أكبر مقارنة بالعمليات السابقة.
ورغم كل الفرص المتاحة، تدرك تركيا أن التدخل العسكري المباشر قد يؤدي إلى تعقيد المسار السياسي الداخلي، ولذلك فهي تتبنى استراتيجية قائمة على التريث والمراقبة الدقيقة للتطورات السياسية، خاصة فيما يتعلق بالموقف الأمريكي والتوجهات الجديدة للقيادة السورية.
ومع ذلك، تبقى أنقرة مستعدة للتحرك العسكري متى دعت الحاجة، إذ تعتبر هذه اللحظة فرصة قد لا تتكرر بسهولة، وتسعى إلى تحقيق أكبر مكاسب ممكنة بأقل كلفة ، فإن أنقره تتحرك بخطوات محسوبة، واضعة مصلحة أمنها القومي في مقدمة أولوياتها، حيث تسعى إلى استثمار هذه التحولات الإقليمية لتحقيق دور أكثر تأثيراً في المنطقة وتعزيز موقعها كقوة إقليمية فاعلة.