"الخطاب الشعري الأنثوي .. جمانة الطراونة نموذجا" كتاب للدكتورة العامري
03-01-2025 09:46 AM
عمون - صدر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع ببغداد كتاب بعنوان: (الخطاب الشعري الأنثوي سردية العاطفة ومسرحة الرؤية- جمانة الطراونة نموذجا)..
وجاء في مقدمة الكتاب" صارت للمرأة الشاعرة العربية هوية ابتداء من دخول الشاعرة الرائدة نازك الملائكة فضاء الشعرية العربية الحديثة، وقد تكون أفضل ما فعلته الشاعرة الملائكة في هذا المضمار هو تكريس الصوت الأنثوي الذي كان غائبا تماما كل تلك القرون، وانفتح المجال واسعا أمام عدد كبير من الشواعر اللواتي حاولن تكريس هذه الرؤية في الشعرية العربية الحديثة، ونجح كثير منهن في بناء هوية جديدة للخطاب الشعري الأنثوي على أنحاء مختلفة، وتحفل الساحة الشعرية العربية الآن بأسماء شواعر لهن أهمية كبيرة على هذا الصعيد على اختلاف مستوياتهن الفنية والجمالية".
وحول سبب اختيارها لشعر جمانة الطراونة قالت د.رائدة الأكاديمية في جامعة بابل " جاء اختيارنا في هذا الكتاب لشاعرة مهمّة هي الشاعرة "جمانة الطراونة" بوصفها شاعرة تنتصر للنوع النسوي وتهتم به، تمتلك قدرة شعرية جيدة على الدخول في جوهر هذا الفضاء الأنثوي، والتعبير بحرية واضحة عن فضاء أنثوي رحب لا يدين بالولاء إلا إلى ذاتها الشعرية الخاصة، وعلى الرغم من قلة إنتاجها الشعري غير أنها استطاعت أن تفرض نموذجها الأنثوي داخل هذا الفضاء؛ من خلال ما حفلت به قصائدها من روح أنثوية أصيلة وفاعلة".
وأضافت" تتميز الشاعرة جمانة الطراونة بالانفتاح على عاطفتها الأنثوية الحرة وتمثيلها شعريا بلا أية عقبات أو إكراهات أو ضغوط تراثية أو تاريخية، فهي ابنة هذا العصر من حيث استثمار طاقة اللغة الشعرية وبناء صورها الشعرية المناسبة للعصر، وقد اجتهدنا في مقاربة هذا الخطاب الشعري الأنثوي الخاص بالشاعرة من خلال فعالية (سرديةُ العاطفة ومسرحةُ الرؤية)، إذ هي تفيد من طاقات الفنون السردية على مستوى الحكاية والحدث والشخصية والمكان والزمن وغيرها، مثلما تفيد من إمكانات الدراما على مستوى الصراع والحوار الداخلي والخارجي وغيرها من أدوات الدراما المعروفة في هذا الفن.
وقدمت الناقدة مدخلا نظريا عنوانه: (في فلسفة الخطاب الشعري الأنثوي) وعلى نحو مكثّف وضعت العامري النقاط الأساسية لطبيعة هذا الخطاب ورؤيته ومنهجيته، تمهيدا للدخول في متون نصوص الشاعرة في ديوانين شعريين لها هما: (قبضة من أثر المجاز) الصادر عام 2021، و (قصائد مشاغبة) الصادر عام 2022، وهي متون تنتمي إلى فضاء الأنوثة أكثر من أي فضاء آخر حتى في تلك القصائد التي تكتب فيها الشاعرة عن موضوعات خارج ذاتها الأنثوية، إذ نجد أن الطابع الأنثوي يطغى في حساسياتها اللغوية الشعرية على أي معطى شعري آخر، وتظهر الأنثوية بارزة في روحها الشعرية ومفرداتها وتشكيلاتها المختلفة والمتنوعة على حد سواء، بما يكشف عن روحها الأنثوية الواعية والطبيعية في آن معاً، وهي نموذج من نماذج أنثوية كثيرة هي بحاجة إلى مقاربتها والتنويه بمنجزها الأنثوي في هذا السبيل.
قسّمت د.رائدة العامري كتابها على محاور عدّة بحسب قوة حضور كل محور وأهميتها في تجربة الشاعرة، وابتدأنا بمحور (حساسيّة اللغة الأنثويّة: الدلالة والنص) بوصفه المحور الأبرز في هذا الميدان، إذ إن اللغة في تشكيل خطابها الأنثوي هي الأداة الأكثر استثمارا وحضورا ووضوحا، وانتخبنا النموذج الشعري المناسب من بين عشرات النماذج التي تصلح لهذا المحور، وسعينا إلى تحليله على وفق رؤية شعرية أولا، وأنثوية ثانيا، بين حركة الدلالة داخل النص وقدرتها على تمثيل الرؤية والإجابة على أسئلة الشعرية الأنثوية بطريقة أو أخرى.
جاء المحور الثاني بعنوان (الرؤية الأنثويّة: المحطّات والشواغل) وقد اختارت به قصيدة ذات خصوصية تعبيرية وتشكيلية شديدة الأهمية، تتعلق بالخصوصية الأنثوية الصوفية التي تكشفت فيها الشاعرة عن روح أنثوية تقارب تجربة الشاعرة "رابعة العدوية" شعرياً، لكنها ابنة هذا العصر وخارج فضاء رابعة التي كانت في داخل تجربة التصوف في سلوكها الحياتي ونموذجها الشعري، لكن شاعرتنا حاولت الإفادة من هذه التجربة شعريا على مستوى تحريض اللغة للانتقال من المظهر اللغوي التعبيري إلى الجوهر اللغوي التعبيري، مع كل ما يتطلبه ذلك من طاقات تشكيلية وتصويرية وإيقاعية خاصة.
أما المحور الثالث فقد جاء بعنوان (سردنة الأنوثة الشعرية) للكشف عن إفادة الشاعرة من فنون السرد لتطوير أدواتها في التعبير والتشكيل، وبكل ما تنطوي عليه هذه الرؤية من طاقة أنثوية ظلّت حاضرة على مستوى اللغة والدلالة والصورة والمضمون، وأظهرت الشاعرة قدرة استثنائية في هذا المضمار بوعي بارز حافظت على شعرية نصها مع قوة حضور السرد فيه، وهنا تكمن قدرة الشاعرة في طريقة توظيف أدوات مستعارة ومأخوذة من الفنون الأخرى، من دون أن تؤثر على النموذج الخاص بالفن الشعري.
إن الشخصية الشعرية الأنثوية لا تظهر هويتها على النحو المطلوب من دون حضور شخصية الآخر بأشكاله المختلفة، وكان لا بد على هذا النحو من مقاربة هذا الموضوع في شعر الشاعرة جمانة الطراونة، فكان المحور الرابع تحت عنوان (التناغم الأنثوي مع الآخر) للكشف عن طبيعة تعامل الذات الشاعرة مع الآخر في هذا المجال، وأطلقنا مصطلح "التناغم" لأن طبيعة الشاعرة الأنثوية في علاقتها مع الآخر لم تتكشف عن علاقة صراع بقدر ما هي علاقة تفاهم وتناغم، على الرغم من كل الحوارات الباطنية الحاضرة في قصائدها لوضع الآخر موضع المتهم أو المدان في تجاربها الأنثوية، وهو موضوع ثري قد يحتاج إلى دراسات معمقة خاصة بهذا الموضوع يمكن أن يتكفل به باحثون آخرون يتمكنون من الإجابة على أسئلته بعمق وحيوية.
وخصّصت في المحور الخامس من محاور الكتاب القراءة النقدية للطبيعة الأنثوية الخاصة بالشاعرة تحت عنوان (أنثويّة الذات الشاعرة)، وهي القضية الأهم التي يمكن أن تشير أو تبرهن على أن الحس الأنثوي هو الحس الطاغي والأكثر حضورا في لغة الشاعرة، وفي صورها الشعرية وإيقاعاتها التي تنتمي إلى عالم الأنوثة أكثر من أي عالم آخر، ويمكن القول هنا إن الشاعرة جمانة الطراونة في كل قصائدها تقريبا لا بد أن يعثر القارئ على لمسة أنثوية، أو حركة أنثوية، مهما كان موضوع القصيدة.
إنّ هذا التأثير يكشف عن مدى انتماء الشاعرة إلى جوهرها الأنثوي في صياغة تجاربها الشعرية المختلفة، وفي التعبير عن هويتها الخاصة التي تحرص على حضورها في مجمل قصائدها بعلامات واضحة وأكيدة، من غير اللجوء إلى السوك الشعري الأسهل حين يكون الإغراء شديدا أحيانا؛ من أجل الانتقال إلى الفضاء الذكوري الأرحب والاستجابة لمناسبات شعرية تغطي على أنثويتها، وفي هذا يمكن القول إن الشاعرة ظلّت أمينة على طابعها الأنثوي في أشعارها كلها بلا تفريط في حرارة هذه الأنثوية وغزارتها، وبلا مبالغة في توكيد النزعة الأنثوية وفرضها على المجال الشعري.
أما المحور السادس والأخير في هذه الدراسة فقد كان بعنوان (زخم الطاقة الأنثوية الدرامية)، من أجل البحث في علاقة شعر الشاعرة الأنثوي بالدراما؛ إذ إن حقل الدراما ينطوي على طاقات هائلة يمكن للشاعر الذكي الإفادة منها وتطوير نصه الشعري من خلالها، فمسرحة القصيدة صارت من ضمن أحدث الإجراءات التي يقوم بها الشاعر العربي الحديث بشكل عام، وحين تتحرك أنثوية الشاعرة باتجاه معطيات الدراما فهي ربما الأقرب من حيث الحساسية والفضاء من الشاعر الذكوري بشكل أو آخر، لأن الحساسية الدرامية فيها كثير من الحس الأنثوي والتجليات الأنثوية.
إنّ الدراما ذات طبيعة أنثوية في مقام أساسي ومهم من مقاماتها، وحين تنوي الشاعرة الأنثى الإفادة من طاقات الدراما فقد تتوفر لها سبل النجاح أكثر، ولا سيما إذا ما عرفت استغلال الأدوات الصالحة لتطوير نصها الشعري، وتموينه بكثير من الإمكانات الثرية ذات الحس الدرامي المشبع بالصراع والحوار وفعاليات الإخراج وغيرها.
يمكن أن يكون كتابنا هذا فاتحة لدراسات معمقة أخرى في هذا السياق؛ تتناول الفضاء الأنثوي الحديث في الشعر، وفي الفنون الأدبية الأخرى التي شهدت حضورا أنثويا لافتا كالراوية على سبيل المثال، وكذلك القصة القصيرة وكل أنواع السرد الأخرى، فضلا عن المسرح والدراما والفنون الإبداعية الجميلة الأخرى حيث أثبتت المرأة المبدعة أنها قادرة على تقديم نماذج حية في المجالات كلها، وتظل بحاجة إلى التفات نقدي كثيف يكشف عن هذه القدرات المهمة.