أمنياتنا المشروعة في العام الجديد
فيصل تايه
02-01-2025 03:56 PM
تابعنا خلال الساعات الماضية انشغال الناس بصياغة عبارات أمنيات العام الجديد ، وإرسالها عبر كافة وسائل التواصل لمن يحبون ، ولمن يعرفون وحتى لمن لا يعرفون ، كما وكان من أولويات اهتمامهم ايضاً ، تتبع تنبؤات العام الجديد التي تميزت بها تكهنات بعض الفلكيين والمتنبئين ، ناهيك عن الانشغال هذا اليوم بمتابعة احتفالات المدن الكبرى خاصة عند الدقيقة الأخيرة في العام المنصرم وإعلان الدقائق الأولى من العام الجديد.
لكننا، نجد أغلب محاولات الناس تكاد تدور حول أمنية واحدة وإن تعددت معانيها ، وهي أمنية الامان للذات وللأوطان وللناس، وانشغالهم بهاجس السلام في هذا العالم الواسع الرحب الملئ بالتجاذبات والتناقصات ، ذلك دليل استقراء خاص لأحداث العام المنصرم وتنبؤاتهم للعام القادم، فالعام المنصرم بلغ أوج تعقده بانعدام الامن والسلام العالمي جراء ما تتعرض له شعوب العالم من ويلات ودمار وعواقب كارثية، وأجواء حزينة بسبب جرائم الإبادة والمجازر المروعة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطينى في قطاع غزة والضفة الغربية، والذين يتهدد من بقي منهم البرد والجوع والعطش والأوبئة ، اضافة الى تراكمات عقود عديدة لم تتوقف، ما ادى الى زيادة التكور ، وتعقد انحلال العقد وهو ما لن يقل عن تراكمها.
اننا ونحن نرى شعوب الارض وهي تسعى لمعرفة قيمة قدوم العام الجديد ، بقدر ما سيعني لها الحظ الذي يحمله ، وما يتكوّم بطيّاته من تحقيق آمال ، وأرصدة إنجازات تعود بالفائدة المرجوّة عليهم وعلى آمالهم المتوقدة جفافاً ونكراناً ، لكنها -ورغم كل شئ- سّخرت نفسها للاحتفال به وزيّنت شوارعها وبيوتها ، لترقص فرحاً وبهجة لتستقبل "العام ٢٠٢٥" متناسية همومها وآلامها وما أصابها ، لأنها تعرف ان الافراح تذيب الشجون وتعرف ان الخير يصنعه الإنسان ، وتعرف ايضاً ان الأشرار يولون الادبار وتختفي اثارهم عندما يكون الإنسان متفائلاً فرحاً ، فهي ليست مجرد مناسبة سنوية تستمتع بها فقط ، بل هي تحوي في ثناياها مزايا متعددة تهم الإنسان ومستقبل الإنسان وبهجة وسعادتة مهما كانت الظروف والاحوال .
بعض الشعوب والامم احتفلت بقدوم العام الجديد كشعب "سوريا" لأنه بالاصل تواق للفرح والتطلع بشغف الى الحياة بعد نصف قرن من القتل والقهر والظلم ، وبعض الشعوب والامم الاخرى وقفت امام الخلفيات المعرفية التي أثرت في أمنياتها وأهمها الأزمات الاقتصادية الكونية الخانقة وضيق العيش ، وما تبعها من تحديات ، فمن حقها ان تفرح بالتفاؤل، لأن الحياة بغياب التفاؤل تصبح جحيم لا يطاق ، رغم ان "الاشرار" الذين يجلبون للبشرية شرورهم ينكمشون و يتقوقعون مع الافراح، لكن الخير دائماً يّعبر عن نفسه بالافراح ، والشر دائماً يعبر عن نفسه بالأحزان ، والفرحة بمثل هذه المناسبات هي طعنة في خاصرة الشر.
اما نحن، وفي خزانة الصور التي ادخرتها ادمغتنا ، فكانت الحقيقة الذهنية التي صاغت الأمنيات لنا ، هي ما خلفه العام الماضي في عالم صارت الصور فيه تشكل جزءاً كبيراً من ثقافتنا ، فمنا ما اكتظّت به الاحباطات ، وتناثرت في طرقاته اكوام من التحديات ، فطمرت في ثناياه أطهارا واحباباً ، وأنبتت على بطحائه سُذّجاً وأشراراً ، وتراصّت على جدرانه حكايات لا تموت ، ووصايا لن تمحيها بؤر المتربصين.
لكن أغلبنا كان يصوغ أمنياته ما بين الأمل والتفاؤل والاحباط ، متذكراً صوراً شهدنا معها أحداثا وتطورات على مختلف المستويات، فالذاكرة تأبى استحضار لحظات قاسية في شقوق الذاكرة الجماعية ، لكننا ورغم كل التحديات سنبقى نعزز جبهتنا الداخليه بايماننا بقدرتنا على الصمود ، لنكون أكثر حرصا للالتفات إلى امن واستقرار بلدنا ، وأن ينطلق بيننا خطاب تضامني وطني يحمل في مضامينه القرب المتساوي لجميع فئات المجتمع ليستظل به كل وطنيٍّ غيور محب ، خطاب يلتزم بثوابت العمل الوطني ، وبكل امل وتفاؤل.
بقي ان نحمد الله على وطن آمن مستقر ، لا تحيطه المخاطر في زحمة الأحداث المتلاحقة ، ونتفاءل بفرح يغمر القلوب ، فالفرح هو عنوان محبتنا لانفسنا ، والمحبة بداية طريق الوئام والسلام بين الناس ، لتبقى الالفة تسود بين ابناء الوطن الواحد في كل وقت وحين.
وأخيرا، فلنتفاءل بالعام الجديد اكراماً لأنفسنا واكراماً لأجيالنا وأهلنا ، ونبقى نتأمل ونتفاءل بالخير لوطننا وشعبنا وقيادتنا ، وان يزول الهم والغم عن اهلنا في غزة والشعب الفلسطيني الصابر في الداخل، وان يعمّ السلام في أرض السلام، مبتهلين إلى الله العلي القدير أن يكون هذا العام عام محبة ننعم فيه بالسلام والأمان وتحقق الأمنيات.
وكل عام ونفوسكم عامرة بالسكينة.
وكل عام وانتم بألف خير.