عودة ترامب: حدث يغير وجه السياسة الأمريكية والعالم
ايهاب الدهيسات
02-01-2025 02:34 PM
مع عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي واستعداده لتولي زمام الأمور من جديد، تبرز هذه العودة كحدث تاريخي غير مسبوق في السياسة الأمريكية، فترامب الذي أعلن عزمه على مواجهة ما وصفه بـ"الدولة العميقة" وإصلاح مجتمع الاستخبارات لا يعيد نفسه فقط بل يعيد تعريف دور الولايات المتحدة على الساحة العالمية بعد قرن من السياسات التي قامت على خلق الحروب وإدارة الصراعات.
منذ دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، أصبح التدخل العسكري سياسة ثابتة لواشنطن، سواء في الحرب العالمية الثانية أو الحروب بالوكالة خلال الحرب الباردة أو الغزوات المباشرة كما في فيتنام، أفغانستان، العراق، وسوريا، فهذه السياسات أدت إلى مآسٍ إنسانية وخراب دول بأكملها، مع استمرار نهج خلق الأزمات وإدارة الصراعات.
ترامب يعارض هذه الفلسفة بشدة، فهو يراها جزءاً من مؤامرة أكبر يديرها "مستنقع واشنطن" الذي يصفه بأنه متورط في جرائم عديدة، مثل الاغتيالات وصناعة الإرهاب والتلاعب بالديمقراطية الأمريكية نفسها، ويشير ترامب إلى أن هذه السياسات لا تخدم سوى المصالح الضيقة لنخب محدودة، متعهداً بالقضاء عليها وإعادة الولايات المتحدة إلى مسار يخدم الشعب الأمريكي والعالم.
في قلب خطاب ترامب تبرز قضية فساد مجتمع الاستخبارات، الذي يتهمه بالتورط في أعمال تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الدولي، من دعم التنظيمات المسلحة، كما في حالة "القاعدة" و"طالبان"، إلى تمويل حروب أدت في النهاية إلى نتائج عكسية، فالحرب في أفغانستان استمرت عشرين عاماً لتعود طالبان إلى الحكم، وفي سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب، تسير الأمور نحو تسليم المشهد لجماعات متطرفة مثل "جبهة النصرة"، وكلا الطرفين ادعت الولايات المتحدة أنها كانت تحاربها ، بل ورصدت الملايين مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنهم!!.
هذه "العبثية" يعتبرها ترامب دليلاً على خلل عميق في السياسات الأمريكية، يديره مجتمع الاستخبارات لصالح أجندات خفية يسميها "الدولة العميقة", وهي عبارة عن شبكة من المصالح تمتد عبر المؤسسات السياسية والاقتصادية والإعلامية في الولايات المتحدة، تضم سياسيين متقاعدين ومتنفذين خلف الكواليس تعمل ضد إرادة الشعب الأمريكي.
وعد ترامب بسن قوانين تحد من سلطات الأجهزة الاستخباراتية وتضمن خضوعها للرقابة، كما تعهد بفتح ملفات كانت سرية لفضح التدخلات التي أدت إلى الحروب والصراعات، سواء في الداخل أو الخارج، كما أنه سيقيل عشرات الضباط المرتبط وجودهم بالفوضى والعبث.
قد تحمل عودة ترامب أمل جديد، فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تؤثر فقط على الأمريكيين، بل على العالم بأسره ولذلك فإن وعود ترامب بإعادة صياغة السياسة الخارجية الأمريكية تكتسب أهمية عالمية، فهو يرى أن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة لم تحقق سوى الفوضى، وأن الوقت قد حان للتركيز على بناء السلام والتنمية بدلاً من تدمير الدول.
عودة ترامب ليست مجرد حدث سياسي داخلي، إنها لحظة مفصلية تعيد تشكيل دور الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وإذا نجح في تنفيذ أجندته فقد يكون ذلك بداية لنظام عالمي جديد أكثر استقراراً وأقل عبثية.
الطريق أمام ترامب لن يكون سهلاً، إذ سيواجه مقاومة شرسة من القوى التي يسعى إلى القضاء عليها، لكن ما يجعل عودته تاريخية هو جرأته في مواجهة هذه القوى، ووعيه بضرورة كسر الدائرة المفرغة التي قادت الولايات المتحدة والعالم إلى أزمات متتالية، هي ليست مجرد عودة سياسي إلى الحكم، إنها إعلان حرب على عقود من السياسات التي أضرت بالجميع .