نكبات الأمة .. أرقام بلا ذاكرة ولا وجهة ..
محمود الدباس - ابو الليث
01-01-2025 05:10 PM
مرت الأمة العربية والإسلامية على مدار تاريخها الحديث.. بسلسلة من النكبات والمآسي.. والتي كانت كل واحدة منها تبدو كأنها النهاية.. كأنها آخر ما يمكن للعالم أن يحتمل من وجع ومأساة.. نعيش اللحظة بانفعال.. نكتب ونصرخ ونبكي.. ثم ننسى.. وكأن الزمن يمسح ذاكرتنا بممحاة النسيان.. أو كأن الأمة.. لم تعد قادرة على حمل عبء التذكّر.. فأصبحت نكباتنا مثل تقاويم قديمة.. تُطوى دون رجعة..
كم من شهيد وشهيدة.. كتبوا بدمائهم مواقف ستبقى خالدة في جوهرها.. لكنها لم تخلّد في وجدان الأمة كما يجب.. نتحدث عنهم قليلاً.. نكتب عن بطولاتهم وصمودهم.. ثم تأتي نكبة جديدة.. تسرق الضوء من النكبة السابقة.. وكأننا أمة تحترف دفن الحاضر.. قبل أن يولد المستقبل..
فهذه غزة التي كانت جرحاً لا يندمل.. أصبحت اليوم خبراً عابراً في نشرات الأخبار.. نقرأ عن قصف هنا.. ومجزرة هناك.. ونقارن الأرقام.. فإذا كان عدد الشهداء أقل من خمسين.. نتنفس الصعداء.. وكأننا في مباراة إحصائية..
وما يزيد الأمر مرارة.. أن بعض الأحداث الكبرى.. حرفت البوصلة عن مآسٍ كانت تستحق أن تبقى مشتعلة في ذاكرة الأمة.. فها هي الثورة السورية.. والتي كشفت للعالم بشاعة ما كان يقترفه النظام في سجون كـ"سجن صيدنايا".. من تعذيب.. وحرق للأحياء.. ومن قتل ممنهج.. أذهل الإنسانية.. وأعمى بصيرتها في آنٍ واحد.. ومع سقوط النظام كبيتٍ مهترئ.. استُنزف الاهتمام بما كان يحدث في غزة.. وصار الحديث عن الموت في السجون السورية.. يغطي على دماء الأبرياء في شوارع القطاع.. وكأننا نعيش في سباق مأساوي لا ينتهي..
لقد استسغنا النكبات.. وتعودنا عليها.. حتى أصبحنا عاجزين عن الإحساس بما يحدث حولنا.. ومن شدة ما مر بنا من مصائب.. أصبحنا بحاجة إلى تنظيم ذاكرة الأمة بطريقة مبتكرة.. ربما نحتاج إلى أن نرقم نكباتنا.. بدل أن نتوه في بحر من الأسماء والتواريخ.. فعلى سبيل المثال والسخرية المؤلمة.. مجزرة دير ياسين تصبح "نكبة رقم 5".. ومجزرة صبرا وشاتيلا تحمل اسم "نكبة رقم 25".. وبهذا التنظيم.. يمكننا تسهيل حفظ التاريخ على أمة لا تحفظ إلا ما يُلقى أمامها..
هل أصبحنا أمة ترسم خرائط نكباتها بممحاة الآخرين؟!.. وهل تبلد إحساسنا.. حتى لم نعد نفرق بين المجازر.. والمواقف العابرة؟!.. ما الذي أوصلنا إلى هذا الحد من اللامبالاة؟!.. أم أننا نخشى مواجهة أنفسنا.. بحقيقة أننا لا نملك أدوات التغيير.. فاختصرنا دورنا في الترقب والانتظار.. حتى صرنا نُعرّف أنفسنا بأرقام الضحايا.. لا بأسباب النكبات.. أو حلولها.. أو محاولة النهوض كأمة حية؟!..
ألم يحن الوقت لنعيد بوصلة اهتمامنا بأيدينا؟!.. أم أننا سنبقى أمة تحيا على أطلال نكبات مُرقَمة.. تلوكها بلسان ساخر.. وألم متجدد.. دون أن تتحرك قيد أنملة نحو الخروج من هذه الدوامة؟!..