الفاعوري يكتب: الفن والجمال في صياغة الإنسان
م. مروان الفاعوري
31-12-2024 07:34 AM
يقول شاعر البيان المرحوم حسني زيد الكيلاني :
قالوا الجمال تناسب الأعضاء في الوجه الجميل
وأقول بل هو بسمة لله من جيل لجيل
هو ما يهب من النسيم عليك في ظل الخميل
هو ما ترقرق من شعاع الشمس فوق السلسبيل
هو نفرة الظبي الأغن إذا تراءى في السهول
هو لمحة النجم البعيد إذا تأهب للرحيل
هو في ابتسامات الشروق على فراشات الحقول. عقدنا في الاسبوع الماضي ندوة كان عنوانها اثر الفن والجمال في صياغة الانسان واحببته ان ألخص للقارئ الكريم ما دار في هذه الندوة من افكار ومعاني احوج ما يكون الانسان المسلم لها في هذا الزمان لتكون روحا دافعة نحو الابداع والتألق والابتكار وحافزا للمقاومة والمواجهة ضد اعداء الامة الذين يراهنون على بث الياس وقتل الامل في نفوس ابناء الامة.
يُعد الفن والجمال أحد العناصر الأساسية التي تساهم في تشكيل شخصية الإنسان ورفع مستوى تطوره النفسي والروحي. لا يقتصر تأثير الفن والجمال على المظاهر الخارجية فقط، بل يمتد ليشمل أبعاداً أعمق تتعلق بالعقل والروح، ويُسهم في تعزيز الهوية الثقافية والفكرية. كما يُعد أحد الأدوات الفعّالة في بناء العلاقات الإنسانية وإثراء الحياة الاجتماعية.
منذ القدم، كان الفن والجمال جزءاً من التجربة الإنسانية في مختلف الحضارات. فقد ارتبط الفن ارتباطاً وثيقاً بالإبداع والتفكير النقدي، إذ يساعد الإنسان على التعبير عن مشاعره وأفكاره بأشكال متنوعة، بدءاً من الرسم والنحت، وصولاً إلى العمارة والموسيقى. كما يُسهم الفن في تنمية الحس الجمالي لدى الأفراد، ويعزز قدرتهم على تقدير الجمال في كل ما حولهم، مما يفتح أمامهم آفاقاً جديدة للتفكير والتأمل.
يُعتبر الجمال في الفكر الإنساني جزءاً لا يتجزأ من الكون والحياة. في العديد من الثقافات، يُنظر إلى الجمال كأحد تجليات القوى الخلاقة التي تحكم الكون، فهو لا يقتصر على الجمال الخارجي المتمثل في المظاهر، بل يتعداه إلى الجمال الداخلي الذي يشمل الأخلاق والروح. هذا الجمال الذي يدعو للتأمل في الحياة، ويدفع الإنسان للبحث عن المعاني الأعمق التي تكمن وراء المظاهر. وعلى مر العصور، كانت الفنون وسيلة لرفع الوعي الذاتي لدى الأفراد، وجعلهم يتفاعلون مع الحياة بصورة أكثر إبداعاً وإنسانية.
لا يقتصر دور الفن على تجميل الحياة أو إضافة لمسة فنية للمحيط، بل يُعتبر عنصراً مهماً في بناء الهوية الشخصية. فالإنسان من خلال الفن يمكنه أن يعبر عن نفسه ويمزج بين مشاعره وأفكاره وتطلعاته، فيكون الفن وسيلة للتواصل مع الذات ومع الآخرين. إنه يفتح أمام الإنسان المجال للتعبير عن الحب، التسامح، والأمل، ويُسهم في بناء مجتمع يسوده التفاهم والاحترام المتبادل. كما أن الفن يمكنه أن يكون أداة فعالة لنقل القيم الإنسانية النبيلة، مثل العدالة والمساواة، ويعزز من قدرة الأفراد على التفاعل مع التحديات التي قد يواجهونها في حياتهم.
الجمال والفن لا يشكلان مجرد ترف أو زينة سطحية، بل هما في صميم الحياة الإنسانية. إنهما عنصران لا غنى عنهما في بناء الإنسان المتوازن الذي يتسم بالسلام الداخلي والعلاقات المتناغمة مع الآخرين. من خلال الفن، يُمكن للفرد أن يحقق توازناً بين الجوانب العقلية والنفسية والروحية في شخصيته، مما يساهم في نموه وتطوره ككائن إنساني واعٍ بمحيطه وذاته.
ويبقى الفن والجمال جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية التي نعيشها. لا يجب أن يُنظر إليهما على أنهما مجرد أداة تزيينية أو ترفيهية، بل ينبغي أن نعتبرهما جزءاً من عملية بناء إنسان متكامل. ففي هذا العصر الحديث الذي يتسم بالتحديات والضغوطات النفسية، لا بد لنا من الاستفادة من الفن والجمال في حياتنا اليومية لنسهم في تحقيق توازن إنساني وروحي، ولنعيش حياة مليئة بالمعنى والتجربة الجمالية التي تدعو إلى السلام الداخلي والانسجام مع الذات والآخرين..