استغلت الجماعات المسلحة الدين لبسط نفوذها ، واستخدمت داعش مصطلح الخلافة للتوسع، وسيطرت إيران على الإعلام التعبوي متخذة من فلسطين ذريعة لفرض اجندتها، فيما وظف النظام السوري السابق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لقمع شعبه ومن ثم استغل ظهور الجماعات الإرهابية ليقدم نفسه كبديل وحيد، ويمكن اسقاط هذا التلاعب بعقول الجماهير على قصة المسلسل الشهير (game of thrones).
في رواية أغنية الجليد والنار التي أقتبس منها مسلسل صراع العروش كان "الملك ستانيس" شخصية عميقة ومهووسة بالواجب والعرش، كان فارسا نبيلا ولم يكن شخصاً يائسا باحثاً فقط عن السلطة، ولم يحرق ابنته كما صوره صناع المسلسل بالرغم من تأثير "ميليساندرا" عليه ، وعلى العكس كان يظهر معاناته بالحنان والشفقة من مرض ابنته وقد وفر لها كل أسباب الرعاية.
يقودنا ذلك لحقيقة التلاعب بجوهر الشخصيات العامة في المشهد السياسي الذي بدأ فصله الأول بانطلاق الثورة السورية في العام ٢٠١١, وأخذنا وقتاً طويلاً لنفهم مشروع خط الغاز ومشروع "الاستسلام السياسي"، وبالتأكيد لا ينفي هذا تورط النظام السوري بالمجازر والسجن والتعذيب ، ولكن هذه الثورة لم تولد ناضجة، فقد امتدت الأيدي لسحب هذا المولد قبل أوانه بما يشبه الولادة القيصرية, فسالت الدماء وانتهى المطاف بادعاء الجميع الأحقية بالوصاية على العرش.
جملة الشتاء قادم متعلقة بعائلة ستارك التي تمسكت بمبادئها رغم كل التقلبات والتضحيات والأخطار، هي ترمز للفوضى والتهديدات الكبيرة، وتدعو للصمود والاستعداد لأي خطر، فقد قتل "نيد ستارك" دفاعاً عن الحق، وتم الغدر بإبنه "روب" الذي دافع بشرف عن شرعية الملك.
العبارة الشهيرة لـ"اللورد بيليش" (الفوضى سلّم) تلخص استخدام الفوضى كأداة للوصول إلى السلطة، فالصراعات الدموية وغسيل الأدمغة المؤدي لانهيار الأنظمة، قمع الشعوب والانتقام السياسي، الخيانات وتصفية الحسابات، التسلط والطغيان كلها تدور حول عنوان المقال.
عشرة الاف مقاتل من تنظيم داعش تحتفظ بهم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سجونها، وثمة خوف كبير من استغلالهم في صراعات إقليمية، خاصة إذا وجدها البعض ورقة ضغط على القوى الأخرى، فقد استخدموهم من قبل للسيطرة على النفط السوري وتجارة الآثار بل وتجارة الأعضاء، ولكن هذا السيناريو في حال التخلي عن الأكراد بهدف تعقيد الأوضاع في سوريا، فقد يرتكب صناع المسلسل هذه الحماقة بعد اعتمادهم على عنصر الصدمة والمفاجأة ، وحقيقة الأمر أن الفصل الأخير من مسلسل صراع العروش السوري تمت كتابته بهذه السرعة لأسباب متعلقة بعودة الرئيس ترامب .
الملايين المؤدلجة للأحزاب التي وضعت نفسها وكيلاً بين الله والناس، والتي تتحرك بتوجيه خارجي وتستغل الأحداث لتعبئة الجماهير بمخرجاتها ، فيرددون شعارات بعيدة كل البعد عن اهدافهم الفوضوية، والتي لم يسعفنا الحظ بوضعهم على قوائم الإرهاب، أيضا هي الأخرى أصبح ظهورها الأسبوعي أشبه بحالة من التهريج الغير مثير لأي من أدوات الفضول الشعبي، بل ينظر لفعالياتهم كنوع من السيرك الشتائي الممل، فقد سئمنا من مخططات الفوضى ومشاريع الغاز والاستسلام السياسي، ونحلم بمستقبل عنوانه التنمية والعدالة ، نحلم بديمقراطيات يسودها القانون ، لا جماعات وايدلوجيات ومحاصصات، واكرر مرة تلو المرة جملة الأمير محمد بن سلمان (هذه المنطقة لم تعد قادرة على احتمال وجود الصراعات).
هل من الممكن ان يتعلم الآخرون من الأردن حتى لا يسقطوا بأخطاء الماضي ، هل يتجنب السوريون الانزلاق خلف الصراعات ، ادعوهم فقط للنظر إلى الأردن، فقد تحملنا أزمة المياه وتدفق اللاجئين وواجهنا الضغوط الإقليمية والدولية، واهتز اقتصادنا وتراجع مستوى المعيشة، واجهنا الهجمات الإرهابية بسبب حربنا ضد عصابة داعش، حافظنا على وحدتنا الوطنية ولسنوات طويلة استنفر جيشنا في حرب على الحدود قدم فيها الشهيد تلو الشهيد، في الوقت الذي وجدها ضعاف النفوس فرصة للتكسب والاغتناء.
خضنا معركة مستمرة للتصدي لآفة المخدرات التي تهدد أمننا واستقرارنا، وبفضل التكاتف بين الشعب وقواته العسكرية والأمنية، تمكنت البلاد من حماية أمنها الداخلي والحفاظ على موقف متوازن يجنبها الانخراط في صراعات مباشرة، مع التمسك بثوابتها الوطنية وسعيها الدائم لتحقيق الاستقرار، نعيش الشتاء تلو الآخر ، للعالم روايته ولنا روايتنا، نحن تعودنا على الكتابة بأنفسنا، ولا يهمنا مخططات ونزوات كتابة المسلسل.