facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الخضراء تكتب: نحو أردن استباقي .. الحاجة إلى مجلس لـ "دراسات المستقبل"


أ.د وفاء عوني الخضراء
30-12-2024 11:53 AM

ماذا لو كنّا نعيش في عالم تُدار فيه معظم الوظائف بالذكاء الاصطناعي؟، وكيف نتعامل حين يصبح تغير المناخ سببًا لنزوح ملايين البشر؟ ثم الأهم، هل نستطيع في الأردن التنبؤ بمثل هذه التحولات والتعامل معها بفعالية من خلال استراتيجيات استشرافية تُبنى اليوم؟ وكيف سيبدو العالم في عام 2050؟ وهل نحن مستعدون لمواكبة التغيرات التكنولوجية والمناخية والمعلوماتية التي ستعيد تشكيل حياتنا وطرق عيشنا؟

يقف الأردن عند مفترق طرق حيث تواجه المملكة فرصًا وتحديات غير مسبوقة، تستدعي معها نهجًا استباقيًا واستشرافيًا ومبتكرًا في التخطيط وصنع القرار وفي القدرة على تصور المستقبل وإنتاجه في عصر يتسم بالتغيرات العالمية السريعة واضطراباتها؛ أحد أوجه هذا النهج يتمثل بإنشاء مجلس لدراسات المستقبل، إنه ليس مجرد طموح بل ضرورة وجودية ملحّة تفرضها تعقيدات القرن الحادي والعشرين وما يحمله من غموض وتغيرات متسارعة، إنه الإطار الذي يمنحنا الشجاعة لنبادر، والقدرة على صياغة مستقبلنا بأنفسنا، ورسم خياراتنا الاستراتيجية بوعي وإرادة تمكّننا من مواجهة التحديات وصناعة الفرص.

في هذا السياق، تأتي أهمية تأسيس مجلس من شأنه أن يزود الأردن بالأدوات اللازمة لتوقع المخاطر والتحديات، وتحديد الفرص الناشئة والصاعدة، وتطوير حلول استراتيجية قائمة على الأدلة وسيناريوهات متنوعة وقابلة للاختبار وتتجاوز حالة الرغبات والانطباعات والتحليلات الشخصية أو التوقعات الفردية.

تخيّل لو أن مجلس دراسات المستقبل أُنشئ قبل سنوات وبدأ بتحديد الفرص الواعدة في الزراعة المستدامة. بناءً على تحليل استشرافي، اكتشف المجلس أن التغير المناخي سيؤدي إلى شحّ المياه، مما يتطلب حلولًا مبتكرة مثل الزراعة المائية وتقنيات الري الذكية. عبر جمع خبراء المياه والتكنولوجيا وصنّاع السياسات، صُممت خطة وطنية لتحويل منطقة وادي الأردن إلى مركز إقليمي للزراعة الذكية. بعد خمس سنوات فقط، أصبحت المنطقة تصدّر المنتجات الزراعية إلى العالم، مما عزز الاقتصاد وخلق آلاف الوظائف للشباب.

وتخيل أيضا أمانة عمان تبتكر طرقًا جديدة لتكون قادرة على التكيف في مواجهة تغير المناخ، مثل أنواع المباني والخدمات المجتمعية الجديدة التي ستحتاج إليها لمساعدة الناس على التعامل مع التغير المناخي والطقس في المستقبل.

وتخيل أن الجامعات تخطط لتقديم أنواع جديدة من الدورات التعلمية والتخصصات والشهادات الجامعية لتمكين الطلبة بمهارات العمل المستقبلية وتصميم نماذج تعلم جديدة تتناسب مع عادات الدماغ للأجيال الجديدة والقادمة وطرق تعلمهم.

هنا تبرز الحاجة لوجود مجلس متخصص لدراسات المستقبل لأنه يُمكّن الأردن من استباق هذه التحولات، وتحديد مجالات النمو الواعدة مثل ابتكارات الزراعة المستدامة والرقمنة بكل أشكالها، وتوجيه الاستثمارات والسياسات لتحقيق ازدهار وطني مستدام على المدى الطويل.

المجلس الذي نريده لدراسات المستقبل في الأردن هو بالضرورة مجلس يعتمد منهجية منظمة تعتمد على مبادئ معترف بها عالميًا في التفكير الاستشرافي والمستقبلي، ويؤدي دوراً محورياً في ضمان أن تكون القرارات الوطنية مستندة إلى تحليلات دقيقة وإطارات عمل استباقية بدلاً من التدابير قصيرة المدى والإجراءات المؤقتة، ومن هنا فإن لهذا المجلس أولوية تقوم على ستة ركائز أساسية تشكل بدورها أساس الدراسات المستقبلية:

1- وضع خارطة واضحة للفرص والمخاطر: تحديد منهجي للاتجاهات الحالية العالمية والإقليمية ومحركات التغيير ومجالات غياب الوضوح والفرص والمخاطر المترتبة عنها.

2- الاستباق: تصميم سيناريوهات المستقبل المرنة وتطويرها لمواجهة التحديات والمخاطر والفرص غير المتوقعة في مجالات مثل التكنولوجيا والثورة المعلوماتية ومخاطر التحول الجيوسياسي المُتسارع والصمود في مواجهة تغير المناخ.

3- تحديد القضايا الناشئة: رصد الإشارات المبكرة للتغيير مثل الابتكارات التحويلية والتحولات المجتمعية وتقييم تأثيرها المحتمل وتحليل الاتجاهات العالمية والتحديات الناشئة في مختلف القطاعات مثل التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة والاستدامة البيئية والتعليم المتطور والابتكار في الخدمات الحكومية.

4- التوقيت الذكي: تحديد اللحظات المثلى للتدخل لتعظيم الفوائد أو تقليل المخاطر.

5- التحليل البنيوي-السببي: استكشاف المستويات البنيوية والمخفية غالبًا للتحديات لمعالجة الأسباب الجذرية بدلًا من الأعراض.

6- خلق البدائل: تصميم وتقييم سيناريوهات مستقبلية متعددة لبناء المرونة والقدرة على التكيف في أطر السياسات وإتخاذ القرار السليم والحكيم.

هناك عدة دول أثبتت تأثير الدراسات المستقبلية المؤسسية في مرونة رسم سياسات استجابة مستقبلية ووضع خطط للتكيف والتطور أبرزها:

سنغافورة حيث يدمج مركز الدراسات الاستراتيجية المستقبلية رؤى استشرافية في التخطيط الحكومي، مما مكّن الدولة من التفوق في مجالات مثل التنمية الحضرية والابتكار التكنولوجي.

وفنلندا تتعاون لجنة المستقبل في البرلمان الفنلندي مع الخبراء لاستشراف التغيرات المجتمعية، مما أدى إلى سياسات فعالة حافظت على مكانة البلاد كواحدة من أكثر الدول ابتكارًا.

توضح هذه الأمثلة قيمة تضمين التفكير المستقبلي ضمن هياكل الحوكمة الوطنية واعتبارها جزء من الأداة السياسية للدولة . ويمكن للأردن أن يستفيد من هذه النماذج، مع تكييفها لتلبية احتياجاته الفريدة.

يمكن لمجلس دراسات المستقبل أن يُضفي طابعًا مؤسسيًا على نهج منظم يستند إلى الأدلة، من خلال تعزيز بيئة تعاونية تشمل الخبراء والأكاديميين وصناع السياسات وقادة الفكر في القطاع العام والخاص، مع مراعاة وجهات نظر متنوعة، مما يؤدي إلى استراتيجيات شاملة وقوية.

لن يقتصر دور هذا المجلس على وضع الأردن في موقع الريادة، بل سيؤسس نهجًا مبتكرًا لصناعة المستقبل بدلاً من انتظاره.

ستعتمد قدرة الدول على التقدّم من خلال جاهزيتها ومرونتها لتخيّل المستقبل مما يمكّنها من قيادة المستقبل بدلاً من الانقياد له.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :