رواية "أنا مريم" قراءة نقدية
علي القيسي
29-12-2024 11:31 PM
أنا مريم عنوان الرواية ، جواب لسؤال ،، من أنت : أنا مريم تأكيد بضمير المتكلم المنفصل وتبدأ الحكاية ،فالعتبة العنوان والغلاف وحدة متكاملة ، أنا مريم والصورة داخل الغلاف الأمامي لمريم ،،العتبة مهمة جدا للدخول إلى عالم مريم الروائي ، الصورة داخل مربع أسود اللون وهو اطار بالطبع ، فالمرأة تبدو عليها سيمياء وملامح الطيبة والبراءة والهدوء ، وعلى رأسها شال أو غطاء يستر شعرها ،
فالمشهد الخارجي واضح وبدون قراءة مكثفة للتفاصيل في الغلاف والعتبة ، ولكن يبدو بوضوح أن هذه الملامح للكاتبة الراوية عنان محروس ،فهناك شبه حدّ التطابق مع الصورة في الغلاف الأخير في نهاية الرواية .
لاضير في ذلك فمعظم الكتاب والروائيين يكونون هم الابطال في رواياتهم والشخصية المحورية ، لكن يبعدون عن أنفسهم هذه المهمة التي قد تعرضهم لأسئلة كثيرة خاصة عندما تكون الراوية امرأة ، فالراوية عنان محروس روائية محترفة وذات خبرة في السرد الروائي ولها تجارب في ذلك ، وهي متمكنة من أدواتها اللغوية والفنية ولديها طول نفس في السرد ،وتهتم بالتفاصيل كثيرا ، وفي روايتها هذه أنا مريم ،تجد عدد الشخوص يتناسب مع الأحداث الدرامية التي تزخر بها هذه الرواية
فهناك آدم وسالم وهدى وفهد وأمين وشريف وكاترينا ، وغيرهم هؤلاء هم حكاية وشخوص الرواية ، يأتي بهم السرد كل واحد منهم في مهمته ووظيفته ودوره في الفضاء الروائي.
وثمة مشفى الأمراض العقلية وهو المكان البارز في الرواية ، وقصته مع الشخوص جميعهم ،، وهو محوري ذهابا وإيابا ، نقطة التقاء وافتراق ، الزوجة التي تزور زوجها المريض بالانفصام الحاد ، والزمن الذي يمر على المشكلة ، وظروف العائلة المادية الصعبة ، وتدخل الآخرين للمساعدة
واستغلال الموقف مع سيدة جميلة وذات أنوثة طاغية ، فكل شخص يخدم خدماته ولكن مقابل الثمن غير المعلن ، وثمة انتهازيون وطامعون في سياق الاحداث التي تتناولها الرواية ، وهذه النماذج موجودة في المجتمعات ولا يخلو منها مجتمع ، فالمرأة الوحيدة مطمعا للعابثين والعشاق والسفلة ،حتى لو كانوا أصحاب شهادات وعائلات ولهم زوجات وأطفال ، فالجنس خارج المنطق والعقل لدى الكثير من الرجال ولا يمنعهم من هذه الفاحشة ضمير ولا دين ولا عقل ؟!
وهذا ماجاء في بعض فصول الرواية على لسان البطلة الروائية عنان محروس ، فهناك فهد ، وشريف ،وأمين هؤلاء لاتنطبق أسماؤهم على أخلاقهم وتصرفاتهم وسلوكهم المشين ، فهم يتصرفون بعكس الشرف والأمانة والرجولة ، فالمتناقضات والأضداد مفردات تسري في روح النص والسرد الروائي كي تكتمل الدائرة الجمالية والفنية لفصول الرواية ، الحياة بكل أبعادها الانسانية وصراعاتها المتجددة بين الحق والباطل والخير والشر تعج بها هذه الرواية ، فمريم تدخل في كل مسامات وخلايا التجربة الروائية ، هي موجودة في شخصيات وأحداث وحوارات السرد بطريقة مباشرة أو تورية ،تشعر وأنت تقرأ أن مريم الموجودة في العنوان أيضا موجودة في الداخل ، وكأنها تحكي قصتها هي ،
أما من حيث الأسلوب فهو سهل وسلس ومشوق إلا إن اللغة في بعض الفصول تميل إلى لغة النصوص الأدبية بعمقها ، فهي مكنتزة بالتكثيف البلاغي ، وهذا يجعل المتلقي العادي لايستوعب هذه اللغة بسهولة ويعيد التفكير في المعنى ، هناك نزعة عند الكاتبة عنان بتفخيم الجمل والعبارات الدالة ، وتبحث عن التميز والتفرد في رواياتها وهذا جيد ، ولكن سهولة المفردات في الرواية الطويلة مطلوب لتكون لغة سهلة على الكل .
وفي الختام أرجو للكاتبة الأديبة عنان محروس التوفيق والنجاح في أعمال أدبية قادمة متميزة.