منزوع الارادة ومنزوع السلاح
د. صبري ربيحات
29-12-2024 03:55 PM
ما يحدث في الشرق الاوسط اليوم ليس جديدا ولا مفاجئا فقد تغير موقع الامة من الجملة الاعرابية، وتحول من فاعل الى مفعول به.
لم يعد للأمة أي وزن يذكر لا في السياسة ولا في العلم ولا في الانسانية ولا في التكنولوجيا وتيار الحضارة حتى حماية انفسهم أمر لم يعد بمقدورهم القيام به. الأمة اليوم تتمنى لنفسها السلامة وجاهزة لأن ترضى من الغنيمة بالاياب.
كل الذي تحدثت عنه بروتوكولات حكماء الاحتلال وزعماء الكيان ومنظريه، وكل الذي قاله زعماء الكيان الاسرائيلي ابتداء من بنغوريون ومرورا بغولدامائير وشمعون بيريز واخيرا نتنياهو يحدث على الارض الفلسطينية وعلى الارض العربية وفي كل مكان.
لقد اقنع اليهود العالم بأن فلسطين ارض بلا شعب، وافترضوا ان العرب قوم يسودهم النزاع والعصبية ويمكن تفكيكهم وتفتيتهم بعد نزع العقيدة من قلوبهم والقومية من عقولهم وبعد خلق كيانات هشة يسهل التلاعب فيها.
فاوجدوا الاطر القانونية التي تجرم كل ما يقوم به العرب من اجل حماية انفسهم فاعتبرت المقاومة ارهاب ودحر العدو تخريب والوقوف في وجه العدو عداء للسامية.
لقد خلقوا ودعموا قيادات تعادي العقيدة وتشكك في الدين وترفض القومية وجرى انتاج مفاهيم واستراتيجيات ووسائل لمسح الهوية ونزع الارادة وتحويل بلادنا الى أرض بلا حماة ديار ليسرحوا ويمرحوا كما يشاؤوا تارة بإذن ومرارا رغم عن انوفنا.
منذ عقود قالت غولدامائير "سيفيق العرب ذات يوم ليروا اننا صنعنا لهم قادتهم" وبعدها دعا شمعون بيريز إلى شرق أوسط جديد تسوده تحالفات اقتصادية واخيرا جاء نتانياهو للبشر بشرق أوسط جديد ضعيف ركيك منزوع القوة والارادة لا قوة فيه الا لإسرائيل.
لقد ضربت الارادة العربية أينما ظهرت لحساب اي مجموعة غير العرب، وجرى احياء القوميات والطوائف والمذاهب من اجل التفتيت والتفكيك فكانت العراق أولى الضحايا واستبدلت كل زعامة فيها روح مقاومة او رفض لغطرسة الكيان بزعامة ناعمة تنقلب على كل ما كان من اجل ان تناسب الرؤية الاستعمارية.
في عالم اليوم الذي انتهت فيه صلاحية المبادئ التي اطلقها ولدرو ويلسون قبل اكثر من قرن وميثاق الامم المتحدة الذي لم يعد الا حبرا على ورق يتوعد ترامب العالم بأنه سيغير وجهه ويعيد هندسته فيلغي كل ما لا يعجبه ونتنياهو الذي يبيد شعبا بصواريخ وقنابل ونيران غربية وعرب انفكوا عن كل ما كان وتوجهوا نحو اهداف لا علاقة لها بهوية العروبة ولا الاسلام.. نجد الاردن ربما البلد الوحيد الذي لا يزال يتنفس الاعداف العربية فيحاول الابقاء عليها وسط عالم تائه يحاول كل طرف من اطرافه ان يبقي على شيء مما هو عليه ويتبصر عله يعرف ما ستخبأه له الايام.
العودة الى الايدلوجية التوراتية ومحاولة فرض فحوى اساطيرها بالقوة والترحيب والتهديد وانسياق الانظمة العربية بصيغ واشكال مبتكرة هو الشكل الأحدث للفوضى الخلاقة التي بشرت بها كوندليزا رايس في مطلع الألفية الثالثة.
في كل ارجاء العالم قلق غير مسبوق قلق من التحالف الجديد بين عبقرية الن ماسك الذي يسير ثلاثة ارباع الأقمار الاصطناعية التي تلف الكون ودونالد ترامب الذي لا يمكن لأحد ان يتنبأ بما سيقوم به.
في الشرق الاوسط الجديد الذي كان مركزا للعالم لا شيء جديدا الا الخوف والتمزق واللايقين بعدما جرى تدمير كل الذي الفناه.