دمج المؤسسات: البحث عن العدالة والأزمة المنتظرة
د.مهند مبيضين
08-06-2011 03:35 AM
لا تحتاج الحكومة لأزمات جديدة، فالشارع مثخن بها، وكان يمكن لها أن تتستر وراء إنجازات هنا وهناك، لكن على أرض الواقع هناك فراق وفجوة حلت بين المواطن والحكومات، والمطلوب تصحيح المسار. ودمج المؤسسات وإعادة التصحيح لما شوه المجتمع والدولة معا هو خطوة إيجابية للدخول إلى باب العدالة.
طرفان في معادلة الدمج؛ الأول، مائتان وخمسون ألف موظف، منهم خمسون ألفا لا يتقاضون علاوات. ومجمل هذا الطرف من طبقة الموظفين الذين يسمون بـ"المساتير"، ممن ينتظرون أول أسبوع في الشهر لينعموا بما سمي بالراتب. وهؤلاء لا حول ولا قوة لهم في دنياهم غير التحايل على المعاش بالقروض وبيع ما تبقى لهم من ذخائر الآباء ليتموا تعليم أبنائهم أو يبنوا لأسرهم بيوتا. وكل هؤلاء لا يملكون قوة وحضورا، لا علاقات مع الإعلام ولا النخبة ولا يحضرون صالونات المترفين، غير أنهم ممن عاشوا لخدمة الناس، ولكي يعيشوا حياة مستورة، هم لا ينتظرون كل يوم صفحات الجرائد ليبحثوا عن عروض عمل أفضل، فهم كمن يلبس الدولة وراتبها معطفا.
أما الطرف الثاني، فهو مكون من ستة آلاف موظف من أبناء الذوات والأعيان والنافذين وكبار رجال الدولة (باستثناء الزملاء في وكالة الأنباء الأردنية "بترا"). هؤلاء ينعمون بالحظوة كما حظي بها الآباء، ولهم طبقة لها قوتها التأثيرية، وأدواتها أكبر بكثير من أدوات الغلابى والمساتير ممن يئنون كل يوم تحت وطأة أجرة البيت وأقساط الدراسة وقروض السكن. والستة آلاف منتظر منهم أن يصعدوا وأن يبدؤوا بالحديث عن رجاحة عقل الحكومة وصواب توجهها المقتضي الانتهاء من أورام صنعتها الحكومات السابقة التي جهزت مؤسسات مستقلة بفيالق من الموظفين والمديرين وطواقم السكرتاريا الذين ولجوا في عهد حكومة سمير الرفاعي إلى دار رئاسة الوزراء كمطورين ومنقذين عظام، حتى صار راتب السكرتيرة أعلى من راتب رئيس الجامعة.
ستدخل الحكومة مواجهة جديدة من نوعها، وسيستمر العاملون في المؤسسات التي ستدمج أو ستحل بالتظاهر. ومع أن ذلك حق لهم، إلا أن حق الدولة أكبر من الجميع، وواجب الحكومة إصلاح الخلل إن وجد، وتقويم العوج الذي صار حقا في كثير من الحالات.
ستكون هناك سيناريوهات عدة ينطلق منها المهددون بالدمج، لكن عليهم أن يعرفوا ان مصلحة الدولة مع ربع مليون مواطن يعيلون نحو سبعمائة ألف فرد من أفراد أسرهم. لذا، فإن المسألة هنا ليست شهوة وزير أو رئيس حكومة، فهي (الحكومة) في غنى عن اجتراح أزمات جديدة، لكنها مسألة أمن اجتماعي واقتصادي تحتم البدء فورا بتقليص التباعد والفوارق بين الناس، لأننا إذا ما تحدثنا عن دولة مواطنة فإن العدالة تصبح عندها الجوهر المفقود الذي يجب أن نرفع قيمته ونعمل لأجله.
mohannad.almubaidin@alghad.jo
(الغد)