الوقفي يكتب: "رمي الأقنعة" .. قادمة لا محالة
إياد الوقفي
29-12-2024 11:26 AM
بعد انهيار نظام الأسد، لا زالت سوريا تمر في فترة امتحان صعب وتحديات قاسية، بعدما خلفه النظام السابق من حرمان السوريين من أبجديات الحياة الكريمة، علاوة على تركة سياسية واجتماعية ثقيلة ومعقدة تستدعي حكمة وروية في التعاطي مع الواقع الجديد، بعد أن دخل الجولاني بنسخته المحسّنة وقواته المسلحة إلى تولي مقاليد الحكم في سوريا.
سوريا في ظل نظامها السابق ذو اللون الواحد، حوّل مناطق نفوذه في البلاد إلى ثكنة عسكرية ودولة بوليسية، بعيدا عن محاولة احداث إصلاحات سياسية واقتصادية، وأسهم في إعادة البلاد إلى مربع فاق به قدرة المواطن على التحمل، بعد أن تقطعت به سبل الحياة، وفشل النظام الهارب في توفير أبسط الخدمات من مياه وكهرباء ومحروقات وبنية تحتية، ما أدى إلى غياب مظاهر الحداثة عن عديد المحافظات السورية بما فيها العاصمة دمشق، التي كان يبسط فيها النظام سيطرته برغم هشاشته وضعفه، وهو من زرع البذرة الأولى في العام 2011 على طريق انتهاء صلاحية حكمه.
اجتماعيا.. ليس من السهولة قراءة المشهد السوري، فالمعطيات على أرض الواقع تنبئ بحدوث حالة من عدم الاستقرار بسبب تنوع الداخل السوري ولانعكاس ما خلفه النظام البائد من أنماط حياتية وسياسية شائكة، رسمت قسرا علاقة الفرد بالدولة، وباتت فكفكتها تستدعي شيفرة حذرة ومدروسة حتى يتحرر السوري من القيود التي كبله فيها النظام السابق.
سياسيا وأمنيا.. تغص البلاد بعديد الفصائل المسلحة التي لا يمكن تجاهل عتادها وعدتها، ولا زالت تبسط سيطرتها ونفوذها على جانب من الأرض السورية، وتغرد خارج سرب هيئة تحرير الشام التي تسيدت المشهد، يتعذر معها قيام دولة حقيقية ذات سيادة، إلا حال التقاء هذه الفصائل بعيدا عن نظرية اللهاث في احراز قصب السبق للظفر بالكعكة، حتى لا يبقى الشعب السوري يئن تحت وطأة الحروب، ويقع ضحية أمام تناقض أمزجة الفصائل التي تسعى إلى الوصول إلى سدة الحكم.
موقع سوريا الاستراتيجي جاذب ويشكل صيدا ثمينا لأصحاب الهوى وعديد الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعلى مدى سنوات حكم الأسد الإبن، جلب إلى سوريا قواعد عسكرية دولية وقوى لمساندته في محاولة جادة منه لبقاء واستقرار حكمه، شكلت نقطة فارقة في تشابك المشهد الأكثر تعقيدا في الداخل السوري، وحوّلت سوريا إلى ساحة صراعات أدخلتها في حالة من الفوضى غير الخلاقة نشأت نتيجة فقدان السلطة عن القيام بوظائفها تجاه حماية رعاياها وحدودها وسيادتها.
إذا ما أرادت سوريا استعادة ألقها وحضورها كدولة ذات حضور، عليها أن تنتهج سياسة الاحتواء لكل أطياف اللون السوري، وأن تتحد فصائلها المسلحة الشريكة في دحر النظام هناك تحت قيادة واحدة، وأن تتداعى إلى عقد مؤتمر يضم مختلف القوى السياسية وأطياف الشعب السوري كافة، وأن يتجاوز الهنات التي وقع فيها النظام السابق، عبر إقامة تعددية سياسية ورفع القبضة الأمنية وتنويع خياراته للحد من احتكار السلطة، علاوة على توافق المجتمع الدولي صاحب اليد الطولى إلى جانب بعض دول الإقليم في إنجاح التجربة السورية، وإقامة دولة ديمقراطية تقبل الآخر لتكفل أمن وسلامة مجتمعها، المعادلة في سوريا قلبت الكثير من المفاهيم والموازين، وبات أمنها ضمانة وضرورة لاستقرار المنطقة بأسرها أكثر من أي وقت مضى.
من المبكر الحكم على أداء الجولاني الذي يحاول لملمة ما تبعثر من أوراق، ما يستدعي الانتظار قليلا حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، فالرجل كما بدا يمارس سياسة ضبط النفس، ويبعث برسائل تطمين إلى الداخل والخارج ليشكل قناعة أن أولويته تتمثل بإعادة بناء واعمار سوريا دون أي أطماع أخرى، مرحلة رمي الأقنعة قادمة لا محالة، وعلى ضوئها سيتم الحكم في كيفية إدارة الشأن السوري الذي يصعب التنبؤ بمالاته، في ظل صراعات دولية لقوى عظمى واقليمية تتسابق فيه إلى تعظيم نفوذها في المنطقة عبر البوابة العربية، والبحث عن خاصرة رخوة تنفذ من خلالها أجنداتها لخدمة أغراض توسعية.