كثيرا ما يحملنا الحديث ،هكذا ببساطة، إلى اتخاذ قرار سريع للسفر باتجاه دمشق من الصباح الباكر والعودة مساء ذات اليوم. يحدث ذلك كثيرا ، حيث يشعر الأردنيون أن «الشام» وأهل الشام يقاسمونهم اللقمة والعشرة حتى صارت مدينة الياسمين جزءا من تركيبهم النفسي، وصارت كذلك الوجهة الأولى والاختيار الأقرب إلى القلب. فالمسافر إلى جارة القلب سوريا، لا يمل من العودة إليها مراراً ليملأ رئتيه بعبق الياسمين الشاميّ ويحمل إلى عمان من حلوياتها وأطايبها.
في الشام تنتقل بين أزقة التاريخ، وأقصد تحديداً دمشق، فمنذ أعوام كثيرة درجت على وصالها وزرتها عشرات المرات في كل الفصول، حيث تعود كل مرة محملا بذكريات حميمة وسعادة لا تلبث أن تفجر الاشتياق إلى تكرار الزيارة.
يأخذك سحر التفاصيل الغافية في جنبات بيوتها المزخرفة بالجماليات البصرية للبيئة الدمشقية والتي تحول معظمها إلى مطاعم أو متاحف؛ من بيت جبري وبيت خالد العظم وبيت اليوسف والعبد وقصر العظم وبيت النابلسي وبيت البارودي.. وتتلذذ بخيراتها مرورا بالخوالي وبوابة دمشق وست الشام والنارنج، وحلوياتها المعروضة بشكل يملؤه الذوق في سميرا ميس وأبو الجدي ومهنا والشرق وغيرها مما لا يحصى في مقالة.
كل شيء فيها يقول صنع في الشام ..من دكاكين الحمرا إلى الصالحية إلى الشعلان أو «الكسلانة»، ثم إلى الحميدية إلى باب توما وغيرها الكثير من الأماكن والأسواق والميادين والأزقة، حيث البضائع الشامية التي تناديك للتفرج على بهجة عرضها وللتسوق منها.
من شراب التوت البيتي إلى شراب الرمان وعصير الورد والتمر الهندي والخشاف والعصائر الشامية التي ترويك وأنت تنساب في أزقة المدينة القديمة محاذياً البيوت الدمشقية الكبيرة وبَحراتها الفوراة وأنفاس ساكنيها التي لم ترحل من هذه النفائس المعمارية.
لا شيء يشبه الجامع الأموي ولا شيء يشبه الشام ، ولم يذكر أن أحدا امتلأ منها حد البعد عنها، فكلما غادرتها عدت إليها بشوق أكبر.
اشتقت إلى الشام. فيها شيء يسحر، اشتقت إلى غموضها. اصالتها. سحرها. طعامها. عجقة الميدان. مقاهيها. كرسي الخيزران. الكبة المشوية. بزورات الحميدية. زجاجة التوت المركّز من يد العجوز. اللهجة الشامية. إطلالة قاسيون من نافذة الفندق. شجرها العتيق. أوراق اللبلاب الغافية على الأبواب. الوردة الدمشقية على الشبابيك. متحف دمشق. التراثيات في مدحت باشا. حارة النارنج. طالع الفضة. ماء الورد. سكاكر قبقاب غوار. البرازق. الفول والتسقية. بوظة بكداش. ليمونادة القيمرية. زهورات البيرقدار. فنجان القهوة في مقهى النوفرة. عش البلبل. الشنكليش. الكرز والمشمش. أقع في غرام الشام. اشتقت حتى لكاسة الشاي على حدود جابر.
(الرأي)