بني هاني يكتب: إيران الجريحة في دمشق
حسين بني هاني
28-12-2024 06:53 PM
ملفت للنظر تزاحم ساسة إيران على إبداء حرصهم الشديد، على الامن والاستقرار في سوريا، اذ بدا حديث ساستهم مؤخراً عن هذا الأمر، وكأنهم قادة المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، رغم أن ما يفيض عنهم يشكّل حديث إفك ،لا ينقصه سوى إستحضار أسماء من بطون التاريخ ، لتعويض هزيمتهم المدوية على الأرض السورية، يتهمون فيها تركيا ودول الاعتدال العربي،بالسيطرة على سوريا، وكأنهم لم يكونوا يوما، سدنة البيت في محراب الاسد ، ونسوا زمناً استقرّت دمشق فيه سنين طويلة، في حضن حوزة قم الدينية.
قيل في أدب الأمثال عبر التاريخ، - رغم أن القول لايليق في هذا المقام- أنه في زمن العهر تتسيّد البغايا في الغالب دور العفة والأخلاق، خانته العبارة عباس عراقجي ولم يكن حصيفاً، حين حذّر مما اسماه "بالتدخل المدمر" (يقصد العربي والتركي)في مستقبل سوريا، وهو الذي حاول-كما قال- إقناع الأسد بضرورة التحاور مع تركيا.
استصعب قادة ايران على ما يبدو،شدة الصدمة التي تعرضوا لها في سوريا، وجعلوا من مكيدة الاعتداء على مقام الشيخ العلويّ الخصيبي في حلب، حجة لافتعال الصدام الطائفي، وإلحاق الأذى بالسلم الأهلي، الذي رافق الايام الاولى لنجاح الثوار في دمشق. مما دفع خامنئي لتحريض الشباب السوري للوقوف " بإرادة قوية امام اولئك الذين خططوا ونفذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن " .
من الطبيعي في علم الاجتماع السياسي، أن يستغل المهزوم الظرف لتعويض بعض خسائره ، ولكنه من غير الطبيعي أن تلتقي طهران -قائدة الممانعة-وتل أبيب في إحداث الفوضى في سوريا، قبل أن تغلق الادارة السورية ستارة المسرح، على لحن الرجوع الاخير لحضور طهران في الساحة السورية.
قلق طهران في الحالة السورية مزدوج، وله صلة وثيقة مع لبنان، لكنهم لا يريدون من خلاله الاعتراف بسنن التحول التاريخي، التي تتطلب أحياناً ركوب الموج بطريقة صحيحة. إذ يثيرهم حنقاً، ماقيل أن واشنطن قد أقنعت به عواصم العرب ، بإظهار قدر من المرونة والتحاور والتفاهم مع الإدارة السورية الجديدة، لتأسيس ادارة مدنية في الحكم، وحل الفصائل وعقد مصالحة وطنية، لقطع طريق الفوضى، وتطويع وترشيد السلطة تمهيدا لتسويقها عربياً وإقليمياً وعالمياً، خاصة وأن هناك في السعودية مثلا، من بات يقدّر بأن إعاقة "الحضور السني " في دمشق من شأنه ان يعيد النفوذ الايراني لسوريا مرة أخرى بشكله الطائفي ،هنا يبتغي للوعي العربي المسؤول، استيعاب المعادلة السورية في حال واصلت ادارتها احتواء البعد الفصائلي ،المتعدد الأطراف والولاءات، خاصة بعد أن نسجت طهران عروة وثقى مع العلويين واخذت تحذر بخبث ، من فقدان الأمن في سوريا، وكأن الدولة كانت قبل رحيل الأسد، جنة ألمئوى ،الناس فيها على الارائك يتكئون، بينما كانوا هم في طغيانهم يعمهون.
هي عقبةوحيدة تلك،التي يمكن أن تمنع وحدة الموقف العربي العام، من الحكم السوري ، وصفها البعض بأنها "كعب أخيل التركي"، ذاك الذي بدأ النفاذ إلى مفاصل الدولة السورية، ولاحظته مجسّات مؤسسات الحكم العربية مبكراً ، الامر الذي يستوجب من الإدارة السورية الجديدة مراقبة حثيثة ،لتطورات الايام المقبلة،حتى لا ينقلب السحر على الساحر، ويرجع الشعب السوري الشقيق،كما يقول المثل الشعبي الأردني،يحصد عقير.هذا يستدعي ضرورة الحضور العربي السريع إلى دمشق قبل أن تضيع الفرصة وقبل فوات الأوان.