أزمة الزواج في الأردن: بين التقاليد والآمال
محمد صافية
28-12-2024 03:16 PM
يُعدُّ الزواج أحد أعمدة بناء المجتمع، إذ يُساهم في استقراره وتقدُّمه. ومع ذلك، يواجه الشباب الأردني تحديات كبيرة في تأسيس هذه المؤسسة، ما أدَّى إلى انخفاض معدلات الزواج وارتفاع نسبة العنوسة، التي تُقدَّر بأكثر من مليون عانس في الأردن. فهل المشكلة في الظروف الاجتماعية؟ أم أن ثقافة المجتمع وتقاليده هي السبب الحقيقي؟.
الزواج بين الحلم والواقع
في مجتمعٍ مثل الأردن، الذي يتميَّز بعراقة عاداته وتقاليده، يظلُّ الزواج حلمًا يُراود الشباب. ولكنَّ الواقع بات أكثر تعقيدًا. إذ يُعيق الأحوال المادية هذا الحلم، في ظلِّ التكاليف الباهظة التي تُفرض باسم العادات والتقاليد. فالمهور المرتفعة، والحفلات الفخمة، والمظاهر الزائفة أصبحت معيارًا لدى الكثيرين. هذه الظواهر تجعل من الزواج مشروعًا مرهقًا بدل أن يكون بداية حياة مستقرة.
كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم،: "أقلُّهنَّ مهورًا أكثرهنَّ بركة" إلا أنَّ هذه الحكمة تبدو مغيَّبة في خضمِّ السعي وراء المكانة الاجتماعية والمظاهر الفارغة.
أزمة ديموغرافية تلوح في الأفق
يؤثِّر تأخُّر الزواج والعنوسة سلبًا على النمو الديموغرافي في المجتمع الأردني. فمع تراجع معدلات الزواج، تقلُّ نسب الولادات وترتفع نسبة الشيخوخة.
والمجتمع الذي كان يتميَّز بأسر ممتدَّة، بات اليوم يعتمد على الأسر النووية الصغيرة. هذا التحوُّل يُضعف البنية المجتمعية ويُهدِّد مستقبل التنمية، إذ تقلُّ الأيدي العاملة المؤهَّلة في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والإعلام.
دور الثقافة في تجاوز الأزمة
لا يمكن إنكار دور الثقافة في توجيه المجتمع نحو حلول أكثر وعيًا ومرونة. يبدأ الحل من تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الزواج، والتأكيد على قيمه الحقيقية كونه شراكة تقوم على المودة والرحمة، وليس على المظاهر والتكاليف. كما يجب أن تتحمَّل كلٌّ من الأسرة والمؤسسات المجتمعية مسؤوليتها في تقديم الدعم للشباب، سواء بتوفير فرص عمل تُؤمِّن لهم حياة كريمة، أو بتنظيم مبادرات لتخفيف أعباء الزواج.
ختامًا.. إن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الأسرة. ولكي نُحقِّق هذا الإصلاح، علينا أن نُعيد النظر في العادات التي تُكبِّل الشباب، ونُركِّز على بناء أسر متماسكة تكون نواةً لمجتمعٍ مُزدهر. فالزواج ليس مشروعًا فاشلًا كما يُصوِّره البعض، بل هو أساس نهضة المجتمعات، إذا ما أُقيم على أسس سليمة وقيم أصيلة.