المساعدة يكتب: محطات في مسيرة سالم مساعده رجل الدولة المؤسسي
أ.د. عدنان المساعدة
27-12-2024 04:23 PM
الحديث عن رجالات الوطن الأوفياء الذين ساهموا في بناء الدولة الأردنية عطاء وانتماء وممن تركوا بصمات واضحة ونهجا مستقيما إستند إلى موروثات قيم المواطنة الصالحة والعمل الجاد المسؤول حق لهم علينا أن نذكر محطات مسيرتهم الملئية بالمواقف المشرقة رغم الصعوبات والتحديات التي واجهت مسيرة حياتهم، وكانوا بحق رجال المهام الصعبة، وأنحازوا الى صف الوطن ومصالحه العليا ولو كلفهم ذلك حياتهم.
وها هو سالم محمد سالم مساعده المولود عام 1930 في قرية زمال في لواء الكورة التي تبعد 20 كيلومترا عن مدينة اربد حيث نشأ في هذه القرية الوادعة وبدأ حياته العلمية عن طريق الكتّاب وتعلم الكتابة والحساب وختم القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره حيث التحق مباشرة المدرسة في الصف الثاني لما تمتع به من ذكاء، يشجعه على ذلك والده الذي أدرك في وقت مبكر أهمية التعليم وحرص على تعليم ابنائه جميعا حيث تخرج أبنه البكرأحمد عام 1944 طبيبا من جامعة دمشق.
وتابع سالم مساعده الطفل المحب للتعلم دراسته الابتدائية حيث أنهى الخامس الأبتدائي عام 1942 من مدرسة دير أبي سعيد في لواء الكورة، وتوجه بعد ذلك برفقة والده من القرية زمال حيث يسكن إلى اربد ومنها إلى المفرق وبالقطار إلى عمان قاصدا مدينة السلط ليلتحق بمدرسة السلط التي كان مديرها الاستاذ صياح الروسان الذي قبله في الصف الخامس الابتدائي الذي حصل عليه من مدرسة دير ابي سعيد وكان ترتيبه الأول وذلك لعدم وجود مقعد له في الصف السادس وقبل الطفل المجد واطوح بذلك كي لا تضيع عليه فرصة متابعة تعليمه، وزادت ثقته بنفسه وأحرز تفوقا وتميزا لفت نظر أساتذته خليل الساكت (مدرس الرياضيات) وعبد المجيد الحياري وجريس شرايحه (مدرس اللغة الانجليزية) وكان الأول على 90 طالبا.
وفي مدرسة السلط عشق الجو الثقافي والتعليمي فيها وعاش جوا مليئا بالوعي حيث حديث الأدب والقاء القصائد الشعرية والأحاديث السياسية والاجتماعية والثقافية.
وبعد حصوله على المترك بتقدير ممتاز تم تعيينه معلما في مدرسة جرش براتب 12 دينارا، واستمرت مسيرة حب العلم والمعرفة راسخة في ذهنه حيث كان ميالا لدراسة الطب في دمشق مثل أخيه أحمد، ولكن رغبة والده كانت أن يدرس الحقوق ليصبح قاضيا لأعجاب والده بالقاضيين موسى الساكت وضياء زعيتر.
والتحق في كلية الحقوق في جامعة دمشق والطموح والهمة تدفعانه لتحقيق أهدافه وتخرج منها عام 1954. وبعد تخرجه من الجامعة تعيّن مدقق حسابات في ديوان المحاسبة من عام 1955-1958 ومن ثم انتقل للعمل قاضيا في وزارة العدل وكان بحق وبشهادة كل من عرفه فارسا من فرسان القضاء والقاضي النزيه والعادل الذي لا تأخذه بالحق لومة لائم والحريص على تحقيق العدالة وإنصاف كل مظلوم، واستمر في القضاء لعام 1970 حيث تم تعيينه وكيلا لوزارة الداخلية، ومن ثم عهد إليه منصب محافظ العاصمة عام 1970 في طروف صعبة مرّ بها الأردن وكانت بحاجة إلى رجل قانون صلب ليسهم مع رجالات الأردن الأوفياء استيعاب تلك الظروف والتعامل معها بما يحفظ للأردن أمنه واستقراره، وبما يحقق مصالحه العليا وسيادة القانون، وبعدها دخل سالم مساعده وزيرا للعدل في حكومة الأستاذ أحمد اللوزي 1972-1974 حيث نظم السلك القضائي على أساس الكفاءة وأمانة المنصب الهام. كما شغر منصب وزير المالية في عدة حكومات (حكومة الأستاذ زيد الرفاعي، حكومة الأستاذ مضر بدران، حكومة الأستاذ عبد الحميد شرف، حكومة الدكنور قاسم الريماوي) ولمدة عشر سنوات متتالية خلال الفترة 1974-1984.
وعمل في سلك المحاماة، وتم تعيينه في عام 1989 وزيرا للداخلية ونائبا لرئيس الوزراء وبتكليف مباشر من جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه ليشرف على الانتخابات النيابية ويقود هذه التجربة بعد فترة انقطاع للمجلس النيابي والغاء الأحكام العرفية وكانت تجربة قادها بأمانة المسؤولية والنزاهة حيث ما زال الكثيرون يعتبرون قانون الانتخاب لعام 1989 وإجراء الانتخابات على نحو المشاركة الفاعلة التي أشاد بنزاهتها كافة المراقبين من دول العالم وتعد هذه المحطة نقطة مضيئة في تاريخ الحياة التشريعية في أردننا الغالي.
نعم، رحل سالم مساعده رجل القانون والقاضي العادل والوزير الأمين بعد حياة حافلة بالخدمة الوطنية المتميزة والعطاء الاستثنائي في كل المواقع وعمل بضمير مؤسسي مسؤول، واضعا نصب عينيه مصالح الأردن العليا فوق كل إعتبار، مخلصا لوطنه وقيادته الهاشمية، وقد شاءت ارادة الله أن يختاره الى جواره ماضيا إلى رحاب الله الأوسع من رحاينا راضيا مرضيا بإذن الله، ونسأل الله له الرحمة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
•كاتب وأستاذ جامعي حاليا / جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
•عضو مجلس أمناء حاليا
•عميد أكاديمي سابقا في جامعتي العلوم والتكنولوجيا الأردنية وجامعة اليرموك
•رئيس جمعية أعضاء الهيئة التدريسية سابقا