التكليف الإلهي ومسؤولية الدولة بالحفاظ على النفس
د. هاني الضمور
27-12-2024 01:42 PM
خلق الله الإنسان ليكون خليفته في الأرض، موكلاً إليه مهمة إعمارها وفق منهج إلهي متوازن، وميزّه عن بقية المخلوقات بقدرات عقلية وروحية وجسدية تمكنه من تحقيق هذا الهدف للحفاظ على استقامة حياة الإنسان وتمكينه من أداء دوره، جاءت الشريعة الإسلامية بمقاصد سامية تشمل الحفاظ على النفس والعقل والجسد والمال والعرض، هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الفرد وحده، بل تمتد لتشمل الدولة والمجتمع، باعتبارهما شريكين أساسيين في تحقيق الاستقرار وضمان حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع.
سلامة النفس تمثل حجر الزاوية في حياة الإنسان، إذ جعل الإسلام حماية النفس من أولويات الشريعة، مشددًا على حرمة الاعتداء عليها.
قال الله تعالى: “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً”، مما يبرز أهمية حفظ الحياة البشرية، الدولة تتحمل مسؤولية وضع القوانين التي تحمي الأرواح، وتوفير الأمن والرعاية الصحية، وضمان الوصول إلى مقومات الحياة الأساسية مثل الغذاء والمسكن والخدمات الطبية، في الوقت نفسه، يلعب المجتمع دورًا في تعزيز ثقافة السلام ونبذ العنف وتقديم الدعم للأفراد لضمان سلامتهم.
العقل هو أداة التكليف وأساس التفكير السليم، ومن هنا جاءت أهمية الحفاظ عليه وتنميته، قال الله تعالى: “إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون”، مما يوضح أن سلامة العقل جزء أساسي من استقامة حياة الإنسان، الدولة مسؤولة عن مكافحة كل ما يفسد العقل، مثل المخدرات والمسكرات، وتوفير نظام تعليمي يعزز التفكير النقدي والإبداع، المجتمع كذلك شريك في نشر الوعي الفكري وتشجيع التعليم، ومحاربة الجهل والخرافات التي قد تعيق تقدم الأفراد والمجتمعات.
الجسد هو وسيلة الإنسان للعمل والعبادة، ومن واجب الدولة والمجتمع توفير بيئة صحية تضمن سلامته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لجسدك عليك حقاً”، الدولة تتحمل مسؤولية توفير الرعاية الصحية، وضمان الخدمات الوقائية والعلاجية، ومكافحة الأمراض والأوبئة، المجتمع يشارك في تعزيز السلوكيات الصحية، والتوعية بأهمية النظافة والعناية بالجسد، مما يضمن استمرارية الإنسان في أداء دوره بفاعلية.
المال هو أداة الإنسان لتحقيق التنمية والاستقرار المعيشي، ولهذا جاءت الشريعة لتحفظه من الضياع والاعتداء، قال الله تعالى: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم”، الدولة مسؤولة عن وضع نظام اقتصادي عادل يضمن توزيع الموارد بشكل متوازن، ويحمي الأفراد من الاستغلال والفساد، على المجتمع أن يدعم هذا الدور من خلال تعزيز الأمانة والنزاهة والتكافل الاجتماعي، مما يحقق الاستقرار المالي والرفاهية للجميع.
العرض يمثل شرف الإنسان وكرامته، وصيانته من أولويات الشريعة الإسلامية، قال الله تعالى: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً”، الدولة تتحمل مسؤولية وضع قوانين صارمة تحمي العرض من أي اعتداء، سواء كان ذلك في شكل تحرش أو تشويه للسمعة، كما تضمن القوانين حماية الخصوصية والكرامة الشخصية، المجتمع يعزز هذه الجهود من خلال نشر قيم الاحترام المتبادل والتوعية بأهمية الحفاظ على شرف الآخرين وكرامتهم.
مسؤولية الدولة والمجتمع في الحفاظ على النفس والعقل والجسد والمال والعرض ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي جزء لا يتجزأ من التكليف الإلهي الذي يهدف إلى تحقيق العدالة والاستقرار في الحياة، التكامل بين أدوار الفرد والدولة والمجتمع هو ما يضمن تحقيق هذه المقاصد الكبرى، قال الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، هذا التعاون بين الأطراف الثلاثة يسهم في بناء مجتمع متوازن يحقق حياة كريمة لكل فرد، ويعزز قدرة الإنسان على أداء دوره في إعمار الأرض وفق المنهج الإلهي.