قانون تبييض السجون وقانون تبييض القلوب
المحامي محمد الصبيحي
07-06-2011 04:22 AM
في العام 1965 صدر قانون بالعفو العام أطلق الناس والصحافة عليه وصف (قانون تبييض السجون) وجاءت هذه التسمية لكون القانون نص حرفيا على (يسري مفعول هذا القانون على جميع الجرائم التي ارتكبت قبل 3/ 4/ 1965 سواء صدرت بها الاحكام عن المحاكم النظامية او العسكرية او العرفية العسكرية او محكمة امن الدولة او اية محكمة خاصة اخرى، او لم يفصل بها ) ولم يستثن من العفو سوى جرائم التجسس وجرائم قانون مقاطعة إسرائيل، وهكذا وبين ليلة وضحاها جلس حراس السجون يتناولون إفطارهم ويدخنون في صمت غير مسبوق فلم يتبق في السجون الاردنية المدنية والعسكرية سوى ثلاثين سجينا تقريبا من المدانين بالتجسس والتعامل التجاري مع العدو.
الآن وقد طال انتظار قانون العفو العام واحتدم الجدل بين مؤيد ومعارض وبين متوجس ومترقب لاستثناء أو شمول جرائم بعينها فقد فقد الموضوع كله الحماس الشعبي إذ قال كل واحد ما عنده، وحتى الاتهامات للحكومة بأنها تعد العدة لإعفاء الفاسدين وحمايتهم بالعفو العام أصبحت جاهزة للإطلاق بمجرد نشر القانون رسميا.
لا شك ان إصدار قانون العفو العام في الظروف الحالية أمر بالغ الدقة في خضم عاصفة الاتهامات بالفساد الإداري والمالي لأجهزة الدولة والقطاع الخاص و تحت الظلال الثقيلة لقضايا البورصات الوهمية وقضايا الشيك بدون رصيد فاذا ما شمل العفو كل تلك القضايا فان دائرة الغاضبين والمتضررين من العفو قد تفوق دائرة المستفيدين، واذا ما استثنيت فان دائرة المستفيدين من العفو ستكون محدودة.
وبكل الأحوال فان أي قانون عفو له أنصاره وله معارضوه ولن تسلم الحكومة من النقد الحاد والاتهامات ولكنها لن تسمع كلمة شكرا أو تأييدا من المستفيدين ذلك أن القانون الذي يبيض السجون لا يضمن تبييض القلوب.
واضح الان أن أسباب التأخر في صدور القانون هو المحاذير والآثار الناتجة عنه وضرورة التدقيق في النصوص بحيث يحقق العفو الغرض منه وهو فتح صفحة جدية وفرصة جديدة لعدد كبير من أبناء الوطن للعودة إلى الطريق السوي.
لو كان لي أن أشير على الحكومة في شأن القانون لاقترحت إصداره من مادتين أو ثلاث على الاكثر، بأن يأتي النص على النحو التالي (أ- يشمل هذا القانون جميع الجنايات والجنح المرتكبة قبل 1-1-2005 سواء صدرت بها أحكام أو لم تصدر. ب – يشمل هذا القانون جميع المخالفات المرتكبة قبل
1-1-2010 وكذلك الغرامات المحكوم بها قبل ذلك التاريخ ) والمادة الثانية (يستثنى من هذا القانون جرائم القتل وهتك العرض ما لم يستحصل المحكوم أو الفاعل على إسقاط الحق الشخصي، كما تستثنى جرائم التجسس) و بهذا فان معظم جرائم الفساد والاختلاس المكتشفة وغير المكتشفة لن تكون مشمولة بالعفو، أما قضايا الشيكات فان من اتيح له تحصيل حقوقه المالية منذ عام 2005 وحتى الآن ولم يفعل فلن يضيره شمول تلك القضايا بالعفو العام وتبقى جرائم الشيك الحديثة غير مشمولة حتى يضطر مرتكبوها الى اجراء مصالحات ودفع حقوق المتضررين.
من جانب أخر فان صدور قانون بالعفو العام متزامنا مع انتهاء أعمال لجنة الحوار الوطني وقرب انتهاء اعمال لجنة مراجعة الدستور ومشروعي أعادة هيكلة الرواتب وهيكلة المؤسسات المستقلة يفترض أن يفهم كحزمة واحدة في أطار فتح صفحة سياسية ومجتمعية جديدة لمرحلة جديدة، الا أن ما نسمعه ونراه من حملة تشكيك واسعة حول جدية الاصلاحات يتسبب بحالة إحباط مجتمعي واسع في غياب أعلام رسمي ايجابي مؤثر قادر على استثارة حوار موضوعي منصف يبني حالة تفاؤل عام في المجتمع ضرورية لنجاح الاصلاح وتقدم المجتمع فهل نحتاج حقا إلى قانون لتبييض القلوب؟
الرأي