حين يصبح الوطن .. "بلاد الواق واق" في الإعلام ..
محمود الدباس - ابو الليث
24-12-2024 12:53 AM
حين كان الإعلام يوصف بالسلطة الرابعة.. لم يكن ذلك إلا اعترافاً بدوره الحاسم في كشف الحقائق.. وإعلاء صوت المجتمع.. لكن الواقع الذي نعيشه اليوم.. يبدو وكأنه يحكم على إعلامنا الوطني "المواقع الاخبارية" بالتقييد والخوف.. حتى صار الكثير من الكتاب الأردنيين.. يحلقون خارج حدود الوطن.. بحثاً عن فضاءاتٍ أرحب.. للبوح والنقد.. بينما تبقى مواقعنا الإخبارية المحلية في موضع دفاعي.. مكتفية بنشر الأخبار المكررة.. والمواقف الآمنة..
تخيلوا هذا المشهد.. كاتبٌ أردني مخلص.. يرى الفساد ينخر في بعض مفاصل الوطن.. ويريد أن يكتب عنه بما يليق بحجم الكارثة.. لكن قوانين النشر.. تقف أمامه كحاجزٍ صلب.. فتتحول كلماته إلى عباراتٍ مبهمة.. وتلميحاتٍ مستترة.. مستخدما التورية.. وبلاد الواق واق.. يخشى أن يلامس الحقيقة كما هي.. لأن في ذلك مجازفةً قد تكلفه الكثير.. فماذا يفعل؟!.. يلجأ إلى مواقع أجنبية.. توفر له مساحة أكبر.. وهنا تكمن المأساة.. إذ كيف نسمح لهذا النزيف الإعلامي أن يستمر؟!.. وكيف نقبل أن تتجه أقلامنا الوطنية للخارج.. لتنتقد الداخل؟!..
الإعلام الأردني يمتلك الإمكانيات والقدرات.. كُتابنا الوطنيون.. قادرون على تقديم محتوى أكثر عمقاً ومهنية.. لكن المعضلة تكمن في غياب السقف الذي يسمح لهم بالممارسة الحقيقية لدورهم في كشف مَواطن الخلل.. إن التضييق على الإعلام المحلي.. يدفع المواطن للبحث عن مصادر أخرى للمعلومة.. الأمر الذي يجعله يشكك في مصداقية المواقع الوطنية.. التي تكتفي بنشر ما "يجوز نشره".. دون أن تخوض في تفاصيل الأمور.. التي تؤرق الشارع.. والتي يرى فيها تجاوزات.. او فساد.. دون امتلاكه الدليل القاطع.. والذي هو اشبه بالمستحيل عليه..
ونحن نعيش في اوضاع ملتهبة.. الحكومة مطالبةٌ اليوم.. وأكثر من أي وقت مضى.. بإعادة النظر في تعاملها مع الإعلام الوطني.. فالسماح للكتاب بالنقد البناء.. تحت مظلة القوانين العادلة.. سيحول الإعلام إلى شريكٍ استراتيجي في محاربة الفساد والمحسوبية.. وسيعزز ثقة المواطن بمواقعنا الوطنية.. بدلاً من أن تكون مجرد وسيلة لتجميل الواقع..
إن فتح المجال للإعلام ليعمل بحريةٍ مسؤولة.. هو استثمارٌ في استقرار الوطن.. فالإعلام القوي.. والمصداقيّة العالية.. هما خط الدفاع الأول ضد الإشاعات.. والأخبار الكاذبة.. وهما أيضاً الأداتان اللتان يمكن أن تساعدا المسؤول المُخلص.. في مواجهة التحديات..
فهل نجرؤ على منح الإعلام الأردني هذا الدور؟!.. وهل ندرك أن رفع سقف حرية التعبير ليس تهديداً.. بل فرصةٌ لتعزيز الوعي وتحقيق النهضة؟!..