سوريا الحرة نهاية عظيمة وبداية ضغوط الداخل والخارج
د. محمد خالد العزام
23-12-2024 06:39 PM
أحدث سقوط نظام الأسد زلزالا سياسيا بارتدادات ديناميكية غير مسبوقة، انتكاسة لروسيا، وإيران ليكون هذا العام الأكثر كارثية على إيران ومحورها ومشروعها.
ونشهد تغيرا كبيرا في موازين القوى وفي تحالفات إقليمية، وصعود قوى وتراجع قوى أخرى، يدفع ذلك لتشكيل نظام شرق أوسطي جديد؟! وذلك تطبيقا لما يكرره نتنياهو برؤيته «لشرق أوسط جديد»- تحضيراً لرئاسة ترامب وإدارته التي ملأها بالمتشددين والموالين لإسرائيل ومواقفها وحربها على الفلسطينيين واستمرار حرب إبادتها على غزة للشهر الخامس عشر، وسط توقعات متشائمة بأن تكون مواقف ومقاربة ترامب شخصيا وإدارته مختلفة عن السياسة المنحازة والمصطفة كلياً مع الموقف الإسرائيلي المتطرف الذي لا يؤمن للفلسطينيين حقوقا بالوجود وحق قيام دولة فلسطينية، حسب رؤية الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عقود.
يشكّل سقوط نظام الأسد فرصة نادرة لسوريا وللمنطقة لاستثمار ذلك التحول الكبير في واقع المنطقة للانخراط بعمل جدي لخفض التصعيد والعمل الجماعي بين الدول الفاعلة والنظام العربي ككل، وكذلك مع الدول الإقليمية التي لعبت وتلعب دورا مؤثرا فيما يجري من تفاعلات سواء في سوريا وأدوار إسرائيل وتركيا وإيران.
واليوم بعد أسبوعين من سقوط نظام الأسد وفراره إلى موسكو وتحوله لعبء حتى على بوتين- لانتهاء صلاحيته والفائدة منه- تاركا أقرب حلفائه وجيشه وزبانيته وأبواقه الذين مكنوه من حكم سوريا في الداخل، وحلفاء الخارج، بإذلال وقمع السوريين لأكثر من خمسة عقود من حكم آل الأسد- تقف سوريا والمنطقة على مفترق طرق.
ومع تراجع نشوة الاحتفالات بالنصر وبدء عمل الحكومة الانتقالية لمدة ثلاثة أشهر، وإعادة فتح السفارات وتقاطر الوفود الرسمية وخاصة الأوروبية والأمريكية في تناقض واضح بالتواصل الرسمي مع «أحمد حسين الشرع» زعيم «هيئة تحرير الشام»-أو «أبو محمد الجولاني» قائد «هيئة تحرير الشام» المصنف كإرهابي! لتجتمع مع الشرع يوم الجمعة الماضي باربرا لييف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى! وتُلغي مكافأة 10 ملايين دولار وتصف أحمد الشرع بالبراغماتي والعملي وتُشيد بالمناقشات معه، وتعلن دعم إدارة بايدن عملية سياسية تُفضي لتشكيل حكومة جامعة لا تستثني أحداً. وحتى إعادة النظر بدعم قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد)لإرضاء تركيا- وتقديم دعم فني لمساعدة الحكومة السورية الانتقالية بتوثيق جرائم الأسد، وأولوية لتوثيق جرائم مقابر النظام الجماعية.
ترى الولايات المتحدة، أنه لم يعد هناك دور لإيران في مستقبل سوريا ولا ينبغي أن يكون لها دور.. ولطمأنة مكونات المجتمع في الداخل وكسب ثقة الخارج الذي يراقب عن كثب المشهد السوري، أعلنت الحكومة الانتقالية بدء حوار وطني بين مختلف الكتل والفصائل والمجتمع المدني في سوريا، لا يقصي أي طرف على خلفية دينية أو عرقية أو أثنية.
واضح أولوية الشرع بلقاءاته مع المسؤولين الغربيين الزائرين الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين وغيرهم هو رفع العقوبات التي فُرضت على النظام السابق، وإزالة هيئة تحرير الشام والشرع نفسه من قائمة الإرهاب، لأن المنطق لا يمكن الاجتماع والتعامل مع شخصية مصنفة إرهابية!
واضح أن الشرع يطبق خطة مدروسة وذكية لطمـأنة الأطراف المشككة بنواياه وأهدافه. ويحاول إعادة إنتاج نفسه بعيداً عن سجله ومواقفه، واليوم يتحول الشرع إلى العقلانية والاعتدال، ويقدّم خطابا معتدلا، بعدما تخلّى عن البزة العسكرية إلى اللباس المدني والبدلة ، وطمأن الداخل وخاصة الأقليات السورية من علويين وأزلام النظام وحتى جنرالات وجنود النظام السابق بتقديم تسوية لأوضاعهم. ليبدو نظاما يشمل الجميع دون إقصاء.
كما أن حكومة الإنقاذ المؤقتة ترسل رسائل طمأنة للغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وتشكيل حكومة جامعة لجميع الكتل والتيارات والأقليات. وتنبذ الإرهاب برغم بقاء الشرع وهيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب. من مطالب الولايات المتحدة التي تفكر برفع الشرع وهيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، عدم السماح بعودة تنظيم داعش، اغتالت قوات القيادة الوسطى الأمريكية زعيم التنظيم أبو يوسف في سوريا بعملية نوعية في دير الزور الجمعة الماضي. وضمان حقوق الأقليات، وتدمير مخزون السلاح الكيمياوي والبيولوجي.
تُثار أسئلة مشروعة من السوريين والمعنيين في المنطقة وخارجها حول مستقبل سوريا، وكل طرف يسعى لتحقيق مكاسب، أبرز هذه الأسئلة عن مستقبل قيادة أحمد الشرع و»هيئة تحرير الشام»، وعلاقتهم مع مكونات الداخل السوري ومع الدول الإقليمية والغرب وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا.
وأبرز تحد في ادماج مكونات وفسيفساء المجتمع السوري وأقلياته من علويين وشيعة وأكراد ومسيحيين ، وكذلك مواجهة توسيع الاحتلال الإسرائيلي والاقتراب من العاصمة دمشق بعد تدمير القدرات العسكرية السورية بعدوان متكرر.
وكذلك تبرز تحديات تحضيرات تركيا لشن عملية ضد الأكراد في الشمال، وطمأنة الجيران في لبنان والأردن ، وكان موقف الأردن واضح اليوم من خلال تصريح وزير الخارجية الأردني خلال لقائه القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، إن عمان تدعم العملية الانتقالية في سوريا وصياغة دستور جديد.
وهكذا نشهد بوضوح تغير موازين القوى في سوريا، وتصاعد عربدة وعدوان إسرائيل وصولا إلى إيران واليمن.
ما يُهدد الأمن الإقليمي كما نشهد في لبنان وبعد سقوط نظام الأسد، باحتلال المنطقة الفاصلة في الجولان وجبل الشيخ- وحجة نتنياهو أن ذلك لأسباب أمنية ولمنع وصول الميليشيات المتطرفة إلى الحدود. وصدّقه الأمريكيون ودافعوا عن منطقه أن «الوجود العسكري مؤقتاً (الاحتلال)، بينما هو غير شرعي لخرقه اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 بعد حرب أكتوبر-تشرين الأول 1973.
وفي نهاية الأمر فإن الشعب السوري بحاجة إلى وحدة الصف وإعلاء المصالح العليا للوطن، لاجتياز هذه المرحلة الحرجة، التي يساوم فيها الغرب القيادة السورية ويبتزها مقابل الاعتراف بها، والاصطفاف حول الحكومة الجديدة وحده هو الذي تستطيع من خلاله سوريا النجاة ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.