في العام 2011 عاشت المنطقة العربية أسوء ربيع عربي سياسي ، تنبأ بعده خبراء الخرائط و المخططات السياسية الأمريكية و الغربية بآثاره السلبية عليها و رسوم التغيرات الجيوسياسية فيها و امكانية تعرضها لأسوء فصول شتاء الجيوبوليتك العربي السياسية قساوة و مرارة ، مصحوبة بظهور أوبئة وأعراض التمزيق و التفرقة في المنطقة لأول مرة مثل الطائفية و التيارات الدينية المتطرفة والنعرات العرقية و غيرها ، من الفيروسات المصنعة داخل مختبرات المشاريع الصهيونية.
هذا الشتاء تم منحه اسما ( الشرق الأوسط العربي الجديد ) ، و منذ سنين و المنطقة تتعرض لجبهات التغيير السياسية القاهرة الباردة ، و الضاغطة على جهاز المناعة القومي العربي داخل هذا الإقليم الذي انهار أجزاء منه محدثا خرقا أمنيا و تغيرا جيوسياسيا خطيرا مؤثرا على وحدة الأراضي العربية و سلامة سيادتها و روحها التضامنية .
هذا الشتاء العربي القطبي ذو المنشأ الغربي و العابر صهيونيا ، يراد له أن يكون اطول فصول أمتنا العربية برودة ، ليزهر ربيع الثكنة العسكرية الصهيونية الدافيء بعده ، خاصة و أن كسر هذا الشتاء جراء قساوته بعض أجزاء جسد الوطن العربي و اذرعه ، و استهداف قلب و وعي الأمة العربية.
تقرير خطير للاستخبارات الاسرائيلية يحاول زعزعزة شعوب المنطقة في دولها خدمة لتنفيذ مشاريع ثكنتها العسكرية الصهيونية و اطماعها التوسعية ، يزعم فيه أن ما يحدث في سوريا ولبنان والعراق والسلطة الفلسطينية والأردن هو دليل على فشل النموذج السياسي الغربي الذي فرض على العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى.
طبعا هذا الخطاب المشبوه الذي يقوم ببثه وحدة خاصة تحمل اسم الوحدة 8200 ، و اذكر أن صخر دودين وزير الإعلام الاردني السابق تحدث عنها علانية محذرا منها و خطورتها على جهاز مناعتنا الوطنية الأردنية ، الأمر الذي يستدعي ردا صلبا و خطابا قويا.
لاحقا و تحت عنوان (الوقاية من نشر الفتن و خطاب الكراهية ) تحدث صخر الخصاونة خبير التشريعات الإعلامية عن خطر هذه الأدوات و تهديدها للسلم المجتمعي والأمن القومي الوطني ، ثم يتبعه حكمت الطراونة خبير مكافحة الإرهاب و التطرف الديني ، ليكشف لنا الثغرات و الفجوات التي قد تستغلها فيروسات الجهل و الغباء السياسي للسيطرة على الوعي الفكري الشعبي.
الاردن اكتسب شرعيته و مكانته من قبل أن يولد الجنين الصهيوني من رحم المخطط الاستعماري و الإمبريالي في المنطقة العربية ، و بالشهادات و المشاهدات الموثقة ، و يمتلكها من افضل خبراء التوثيق د محمد عيسى العدوان ، يطالعنا فيها أن الاردن شب و نشأ شابا فتيا حاملا مشروعا هاشميا عروبيا و حدويا نواته إقامة المملكة العربية الموحدة الكبرى ، لكن تداعيات الحرب العالمية الاولى و الثانية ، ولد المشروع الصهيوني الاستيطاني المدعوم غربيا و أجهض المشروع الهاشمي الوحدوي.
الثكنة الصهيونية العسكرية اليوم لن تنسى الموقف والخطاب السياسي الديبلوماسي و الشعبي الاردني الصلب ضد الكيان ، هذا الموقف الذي احدث حالة مضادة و مقاومة تجاه مخططات العنجهية الصهيونية و مشككا في سرديتها و كاشفا حقائق القضية الفلسطينية و حقوق شعبها.
النخب والقوى السياسية و الشعبية الأردنية مطالبة اليوم واجب أظهار تماسك الجبهة الداخلية و الوحدة الوطنية الأردنية ، و الاعتزاز بالهوية الأردنية وعدم اظهار معالم الانقسام أو إثارة عناوين الخلخلة و الشك و نقلها من مصادر مشبوهة ، ولا احد ينكر أن هناك فئة حاولت التشكيك بالدور الاردني تجاه القضية الفلسطينية و الملفات المتعلقة بالاحداث التي تجري في بعض دول الجوار العربية.
الغريب أن بعض كتاب المقاولات اتباع التيارات أو الجماعات السياسية ما زالوا يزاودوا على الموقف الأردني في خطواته و استراتيجيته في الإحاطة بمجريات الأحداث وأدق تفاصيلها لتكوين صورة حقيقية واضحة يبنى عليها أساس اتخاذ القرارات الصحيحة التي تصب في المصلحة العامة والأمن القومي الوطني الاردني.
جملة من الاسئلة المطروحه هذه المرحلة الحرجة تنتظر الإجابة :
1. كيف نحمي و نبني جاهز مناعتنا الوطنية ؟
2.إلى متى حالة الاعتزال و الانفصال مابين المسؤولين و عامة الشعب و غياب سياسة المكاشفة و المصارحة بأهداف و ابعاد هذه القرارات ؟
الإجابة يجب أن تكون واضحة و ربطها و الضغوطات السياسية على الاردن ، و شرح معنى الاقتصاد السياسي الذي يولد من رحم الأزمات .
فعليا الاردن يخوض معركة اقتصادية لأجل الصمود في مواجهة تسويات و اتفاقيات سياسية لا يجد الاردن مصلحته العليا فيها و خاصة في ما يتعلق بملف القضية الفلسطينية ولعل عودة الإشارة الى ملف صفقة القرن القديم الجديد أحد الأسباب وخاصة أن الاردن شكل حالة تصدي له و عبر عنها الملك بتصريح مازال محفورا في ذاكرة أبناء الشعب الاردني (لو عرض ١٠٠ مليار دولار لاجل القبول بالتنازل ، والذهاب نحو ما يهدد أو لا يجد الاردن مصلحته فيها لن نقبل ، كلا للوطن البديل ، كلا للتوطين ، القدس خطر احمر) ، مما زاد الضغط الأمريكي و بعض الدول العربية المسارعة في الذهاب نحو تسوية و اتفاقيات تطبيع مع الثكنة العسكرية الاسرائيلية.
و هذا منطق وسيناريو وارد بشكل كبير و عليه تتشكل قناعة لدى المواطن الأردني أن الاعتماد على الذات في إيجاد موارد مالية تجنبنا وطأة ضغط الادوات السياسية و هو أحد أوجه المقاومة و رفض المساومة و استهداف مناعة الوطن الاردني اقتصاديا و هوية و جغرافيا .
لكن هناك أيضا وجهات نظر شعبية يتم تبادلها في الفعاليات السياسية ان حالة الركود الاقتصادي و بطء تحسن العجلة الاقتصادية هو جراء ضعف أداء إدارة الحكومات السابقة و الذهاب الى الحلول السهلة وعدم محاولة الابتكار و البحث خارج الصندوق و ضبط النفقات و ايجاد منظومة اقتصادية تضبطها مجموعة من التشريعات التي تراعي وتميز مابين الاحتياجات الأساسية و ما بين الأشياء الكمالية و تنقلنا من الاتكالية إلى الإنتاجية .
هل نمتلك حلول عملية وطنية حقيقية نمتلك فيها حق كامل الصلاحية بطرحها ام سنظل ندور في حلقة السجالات و النقاشات النظرية لغايات منح البعض باقة من الاعجابات و المدح و لقب الشخصية السياسية الوطنية العبقرية.
ما أحوجنا اليوم بأن نضع على رأس أولوياتنا الاردن اولا ليكون الاردن الاقوى في مواجهة ومجابهة ماهو قادم ، و نتجاوزه معا قيادة و وطنا وشعبا موحدا مسلحا بجبهة داخلية محصنة و هوية وطنية واضحة على أسس المواطنة الفاعلة و تحقيق ذلك بالاهتمام بعناصر معادلة الداخل الاردني من ملفات تحتاج الانجاز و متابعة ماهو منجز واكمال مسيرته للوصول إلى النموذج الذي نريده.
هذه ليست شعارات لمداعبة العواطف ولا للمزايدة على من هو أكثرنا وطنية أو حرصنا على وطن نعيش فيه ويعيش فينا لأنه بأختصار وطن و هوية فوق ترابه نستحق الحياة عليه و تحته قبر سيكون لنا ذات يوم سكنا و حضنا و كفنا .