فوضى التمويل التنموي .. تكرار المشاريع وضعف الأثر
عمر الشوشان
23-12-2024 11:48 AM
نشهد منذ عدة سنوات فوضى ملحوظة في تمويل وتنفيذ مشاريع التنمية، خاصة تلك المدعومة من الجهات المانحة وتُدار عبر منظمات دولية. ورغم التحديات التنموية التي تواجه المملكة، مثل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الفرص الاقتصادية في المناطق النائية، إلا أن العديد من هذه المشاريع التنموية تبدو وكأنها تدور في حلقة مفرغة، حيث تُعاد نفس الأفكار والآليات، أحيانًا في ذات المناطق الجغرافية، وبأسماء مختلفة، دون أن تحقق أثرًا حقيقيًا ملموسًا على المجتمعات المستهدفة.
حيث أن أحد أبرز المعضلات التي تواجه التنمية في الأردن هو تكرار ذات المشاريع التنموية بأساليب تقليدية لا تراعي الاحتياجات الفعلية للسكان أو السياق المحلي.
فعلى سبيل المثال، تُنفذ برامج بناء القدرات أو دعم مشاريع صغيرة في نفس المجتمعات المستهدفة من جهات مختلفة، دون تنسيق حقيقي بينها أو متابعة طويلة الأمد لنتائج هذه المشاريع.
النتيجة هي هدر للفرص التمويلية التي جاءات بسبب جهود حثيثة تبذل من القيادة السياسية، كما تساهم في خلق حالة من الإحباط لدى المستفيدين، الذين يرون وعودًا كثيرة ولكن دون تحسين فعلي لواقعهم الاقتصادي أو الاجتماعي.
ازدادت في السنوات الأخيرة تدخلات بعض المنظمات الدولية في إعداد السياسات والخطط الوطنية، مستغلةً نفوذها المالي وتأثيرها على الجهات الحكومية.
ورغم أهمية التعاون الدولي في تعزيز التنمية، إلا أن هذا التدخل غير المنظم قد يؤدي إلى تشويه الأولويات الوطنية وابتعاد الخطط التنموية عن احتياجات المجتمع الفعلية. فبدلاً من تمكين المؤسسات الوطنية لتطوير حلول مستدامة، يُفرض أحيانًا نهج مبني على أولويات المانحين أو رؤية المنظمات الدولية، مما يضعف الثقة بين الحكومة والمجتمعات المحلية خاصة في المحافظات وجيوب الفقر.
إن غياب التنسيق بين الجهات المانحة والمنظمات المنفذة يُضعف إدارة الفرص التنموية ويؤدي إلى فقدان الثقة في جدوى هذه المشاريع. فالمجتمعات المستهدفة غالبًا ما تشعر بأنها مجرد "محطات تجريبية" للمشاريع الدولية، التي تركز على التقارير والمخرجات قصيرة الأمد بدلاً من تحقيق أثر طويل الأمد.
علاوة على ذلك، يؤثر تكرار المشاريع وضعف الأثر على البيئة التنموية بشكل عام، حيث تبتعد الجهات الوطنية والمجتمعات المحلية عن التعاون الفعّال، ما يخلق فجوة أكبر بين السياسات التنموية والممارسات الفعلية على الأرض.
لتجاوز هذه الفوضى وتعظيم الأثر التنموي، هناك حاجة ملحّة لتوحيد الجهود تحت مظلة وطنية شاملة. يجب إنشاء منصة وطنية مركزية تُشرف على تنسيق المشاريع التنموية وتضمن عدم تكرارها أو تداخلها. كما يجب أن تكون هذه المنصة مسؤولة عن تقييم أثر المشاريع على المدى الطويل، مع إشراك المجتمعات المستهدفة بشكل فعّال في مراحل التخطيط والتنفيذ.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز الرقابة الوطنية على الجهات المانحة والمنظمات الدولية، لضمان توافق تدخلاتها مع الخطط التنموية الوطنية، دون المساس بالسيادة أو الأولويات المحلية. فقط من خلال هذه الخطوات يمكن تحقيق تنمية مستدامة تعزز ثقة المجتمعات وتحسن واقعها.
إن فوضى التمويل التنموي في الأردن ليست مجرد مسألة سوء إدارة أو تداخل في الأدوار، بل هي أزمة تتطلب وقفة جدية من كافة الأطراف المعنية. التحدي الأكبر اليوم هو استعادة الثقة بين الجهات المنفذة والمجتمعات المستهدفة، وبناء نهج تنموي يقوم على الشفافية، التنسيق، والاستدامة. فالأردن بحاجة إلى مشاريع تُحدث فرقًا حقيقيًا على الأرض، لا مجرد شعارات وبرامج تتكرر بلا جدوى.