تأملات في مصيرنا .. كيف سيكتب التاريخ قصتنا بعد ثلاثين عاماً
بهاء الدين المعايطة
23-12-2024 11:49 AM
عندما يكتب كبار الشخصيات السياسية في مذكرات حياتهم عن ما تحملوه طوال مسيرتهم العملية، وما حظوا به من نعم، وما واجهوه من معاناة، وعن تلك الكلمات التي لم يكن بإمكان أحد سماعها إلا بعد أن زالت المناصب، وبقيت حالتهم كحال المواطن المسلوب من المناصب القيادية في وطني.
إننا جميعاً، حين نجلس وحدنا، نفكر في ماذا سيكتب عنا التاريخ. ماذا سيكون حالنا بعد ثلاثين عاماً من الآن؟ هل سنبقى كما نحن عليه الآن، أم سيحالفنا الحظ كما حالف من سبقونا، فنجد من يرسخ تاريخ حياتنا كما تم ترسيخ حياة تلك الشخصيات السياسية الكبيرة في هذا الوطن.
أنا اليوم كحال أي شاب، أحمل معاناة الكثير من هم في ذات عمري، وأواجه معاناة تلك الحياة التي أصبحت ربما عبئاً آخر على الكثير من الأشخاص، عبئاً لم يعد أحد يستطيع تحمله. لقد ذاق الحال، وأصبح الوضع يرثى له. أصبح الكثيرون يحملون تفكيراً أكبر من أعمارهم الحقيقية، وللأسف، سيبقى الكثير يراهن على بقائه داخل دوامة الفشل للأبد.
أصبح التاريخ اليوم يستذكر تضحيات الرجال، وأصبحت التضحيات تُسجل بحجم ما تملك من المال، لا بحجم ما تملك من الشهادات. كانت الشهادات في الماضي من الوسائل الحقيقية التي تثبت صحة الثقافة، إلا أنها في وقتنا الحاضر أصبحت الثقافة تُشترى بالمال، والمال هو السلاح الحقيقي الوحيد لمواجهة تحديات المستقبل المجهول. بعد أن أصبحنا نرى بين الحين والآخر كمية من التهاني المخلوطة بالحزن بين خريجي الجامعات الأردنية، ومع الحزن الذي يتبع ذلك، تبدأ حالات التذمر من الواقع المرير، ترافقها تمنيات الهجرة للإقامة في أي بلد قادر على مساعدتهم لاجتياز وبناء مستقبلهم.
ماذا سيكتب التاريخ عنا؟ هل سيشهد أننا لم نعيش يوماً سعيداً، بسبب افتقارنا للواسطة أو المال، أو لأن آبائنا لم يكونوا وزراء أو أصحاب مناصب رفيعة في هذا الوطن؟ هل ستشهد تلك الليالي عن حجم ما حملته قلوبنا من أوجاع أرهقت كاهل حياتنا بأكملها؟ التاريخ لن يجد شيئاً ليشهد عليه، فقد رسخ حياة من قدموا للوطن حتى لو بالادعاء أكثر مما قدمناه نحن. نحن لم نقدم للوطن إلا الدعاء له، لأننا لم نملك أي شيء نستطيع أن نقدمه.
الكثير من الشباب اليوم أصبح حلمهم الوحيد الهجرة. والدليل على ذلك هو ما شهدته في الآونة الأخيرة من العام الماضي، حيث كانت هناك عمليات تهريب كبيرة لشبان أردنيين عبر السياج الفاصل بين دولة المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال وسائل معقدة. دفع الكثير منهم ثمن تلك العملية من خلال قضاء فترات في السجون المكسيكية، حاملين أحلامهم التي عجزوا عن تحقيقها في هذه الأرض التي لم تعد صالحة لتحقيق أي غاية.
نأمل أن يترك الشبان داخل إطار أحلامهم، فلا تعبثوا بهم، ولا تزرعوا الأمل في نفوسهم من خلال إغرائهم بالمراتب المتقدمة داخل الأحزاب أو المنظمات التطوعية. لأن الآمال حينما تُزرع في النفوس تبقى أصعب وجعًا من تحقيق أحلامهم التي طال انتظارها.