هل الهدف كسب الولاء من خلال صرف رواتب فلكية تتجاوز قيمتها عن رواتب زعماء الدول الأوروبية، هناك العشرات ممن يتقاضون رواتب شهرية أكبر من راتب الرئيس الأمريكي، وأقل ما يقال عن هذه الحالة بأنها توزيع غير عادل للثروات.
الأمر لا يقتصر على العيب الإقتصادي والإجتماعي وانما هو مؤشر على حالة سياسية منزوعة الرقابة والشفافية، وهو ما يؤدي لضعف الثقة بمنظومة الحاكمية بحيث تبدو غير رشيدة بالمعنى السيكولوجي، وبإمكان أي صوت أن يستغل هذا الخلل لتعبئة الجماهير نحو استقطاب سياسي حاد وصراعات لن يكون الهدف منها هو الإصلاح.
لنكن واقعيين، الأردنيون لا يثقون أن هذه المجموعة التي تتقاضى رواتب فلكية تستحق رواتبها، في النهاية نحن نعيش في دولة ما زالت تعتمد في جزء من اقتصادها على المنح والمساعدات، بل أن هناك شعوراً بتعمد توظيف فئات معينة (لدائرة النفوذ العليا) بهذه الوظائف وبالتالي تجاهل أصحاب الكفاءات لغياب نية الإصلاح أو بسبب اختلاف وجهات النظر مع أصحاب الكفاءة، فتضيع الفرصة لتحقيق التنمية والاستفادة من خبراتهم لصالح المجتمع.
هذه المشكلة قديمة بالمناسبة ، فقد نشرت مقالا قبل عشرين عاما بعنوان (مشكلة الصفرين) وقارنت بين رواتب موظفي القطاع العام في ذلك الوقت وكان ١٨٠ دينار وبين راتب مدير الضمان الاجتماعي الذي كان ١٨٠٠٠ دينار ، واليوم معدل رواتب القطاع العام ٥٠٠ دينار، في حين زادت الرواتب الفلكية لتصل ٥٠٠٠٠٠ دينار، كما لو كان هذان الصفران يمارسان التشبيح لأكثر من عقدين على رواتبنا المعتقلة للأقساط والقروض.
للأسف لدينا شخصيات في القطاع العام تقاضت أضعاف ما تقاضاه ترامب وبايدن مجتمعين، وما هي النتيجة ؟ أو ما الذي احدثته هذه الرواتب الفلكية من تغيير على واقع الحال ، فالأرقام لا تكذب ، ونسب البطالة والفقر ومؤشرات التنمية ليست بخير، وتظل مشكلة الرواتب الخيالية انعكاساً لخلل جوهري في توزيع الثروة وإدارة الموارد، وهي ليست مجرد قضية اقتصادية أو اجتماعية، بل اختبار حقيقي لجدية تحقيق العدالة والشفافية.
استمرار هذا الوضع يعني استمرار نزيف الثقة بين المواطن والدولة، وهو ما قد يؤدي إلى تراكم الاحتقان وتفاقم الأزمات، واذا أردنا أن نبني وطنا يقوم على الكفاءة والعدالة، فإن البداية يجب أن تكون بمراجعة جذرية لهذه السياسات وتصحيح هذا التفاوت الصارخ.