حرص جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على أن يزور محافظات المملكة بمناسبة اليوبيل الفضي لتسلم جلالته سلطاته الدستورية، مواصلا بذلك نهج التواصل مع رجال ونساء الأردن، وهو نهج متأصل في القيادة الهاشمية منذ تأسيس الدولة، مثلما هو إحدى فضائل العلاقة أو الولاء المتبادل بين القيادة والشعب التي جعلت من تلك العلاقة حالة فريدة من نوعها، لا تشبهها حالة، ولا حالة تشبهها على مستوى الاقتراب المباشر بين القائد وبين المواطنين على اختلاف مواقعهم في الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، ومساهماتهم في العمل الوطني، صغيرة متواضعة كانت، أو كبيرة عظيمة تواكب وتدعم تطور الدولة ونهوضها في الميادين جميعها.
تشرفت بأن كنت واحدا من بين الحاضرين من محافظة العاصمة عمان في اللقاء الذي جمعنا بجلالة الملك وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، وقد شدنا جميعاً جو من السكينة في ذلك الرحاب الذي يتسع للأردنيين بمن غاب وبمن حضر، ومن خلاله وبمناسبته تحدث جلالة الملك حديثاً مقتضباً لكنه مليء بالرسائل والمعاني، كتلك الإشارات التي ضمنها جلالة الملك حديثه عن عمان عاصمة السلام والمحبة، المدينة التي تجمع التاريخ والعراقة والحداثة، أو تلك التي ألمح فيها إلى جمال عمان العاصمة الكبرى من بين العواصم، وفي تلك الإشارات من المعاني ما يمكن أن يتجاوز النص إلى روح الكلمات التي تجسد الآية الكريمة (وأما بنعمة ربك فحدث)!
يقرأ جلالة الملك في أعيننا ما أصابنا من شراسة وغرابة وحيرة ما يحيط بنا من أحداث يعجز المرء أحيانا من فهمها، ويحار في تحديد رأي ثابت فيها، أو انطباع واضح عنها، ونحن في نهاية المطاف يهمنا أن نتطمئن على بلدنا الذي قاده جلالة الملك على مدى خمسة وعشرين عاماً من عمره المديد نحو بر الأمان، وجعله محصناً من كل الشرور التي تحيط به من كل جانب، ومبادرا في الوقت نفسه لوضع حد لتلك المآسي التي تتعرض لها شعوب شقيقة، رغم كل العقبات الناجمة عن غياب دور حاسم للشرعية الدولية في تطبيق القرارات الأممية، وفي إقرار قواعد الأمن والسلام في المنطقة.
في لحظة محسوبة من حديث جلالة الملك قال لنا (الأردن بخير، وبهمتكم سيبقى بخير، وأنا على العهد معكم دائماً) تلك ثلاث جمل كل واحدة منها تحمل ما يكفي من الإجابات على كل الأسئلة المشروعة حول أمن واستقرار بلدنا، وعناصر القوة التي يتمتع بها للتعامل مع جميع الاحتمالات، ونحن بالطبع نؤمن بحكمة وحنكة وخبرة جلالة الملك في إدارة الموقف مهما بلغت المخاطر الكامنة فيه، خاصة وأن الأردن يتأثر حتماً بالتطورات حين تكون على هذه المسافة القريبة جداً من حدوده، لكن جلالة الملك يستثير فينا همتنا كي نواصل مسيرتنا نحو مزيد من البذل والعطاء والتطوير والتحديث ووحدة الموقف تجاه مصالح بلدنا العليا، وهو كذلك يجدد عهده لنا بأنه معنا على هذا الطريق يقودنا نحو الأردن الجديد الذي يريد أن يمضي إلى المئوية ثانية من تاريخه الجديد وهو أكثر قوة وثباتاً.
نحن كذلك على العهد وقد علمتنا التجارب الصعبة والمريرة أن سلامة الأردن تقوم أساساً على تلك العلاقة المتينة بين الشعب وقائده، وهي علاقة تحكمها منظومة من القيم والمبادئ التي تجعلنا أسرة واحدة موحدة تتمسك بقيادتها الهاشمية، وتحمي هذا الوطن الرائع بالنفس والنفيس!
الغد