الشعوب العربية وسوريا الجديدة
خولة كامل الكردي
22-12-2024 04:10 PM
عمون - دخلت سوريا في مضمار مرحلة جديدة وهي تعيد ترتيب نفسها، يتطلع معها الشعب العربي إلى الرؤية التي ستستند عليها في قادم الأيام، فالشعب السوري شعب مثابر ومعطاء ويصنع الأمل من المستحيل، فكم من حرفيين ومهنيين ومعلمين ومثقفين وأطباء ورجال أعمال وباحثين وعلماء حفلت بهم الدولة السورية على مدى عقود طويلة، قدموا الكثير للتراث والحضارة السورية، ولأمتهم العربية والإسلامية، وتركوا بصمات خالدة في التاريخ العربي والإسلامي.
ومع سرعة التحول الذي شهدته أرض سورية مما يثير الدهشة والتعجب على حد سواء، لتبرز أسئلة عديدة وهامة وأبرزها كيف سيكون وجه سوريا في مستقبل الأيام، وعلاقاتها مع المجتمع الدولي. فسوريا على مدى سنوات طويلة عانت من اهتزازات أمنية وسياسية متتالية في أواخر القرن المنصرم كما أمتها العربية، وأهمها حرب النكسة ٦٧ ضد الكيان المحتل، والشعب السوري دفع أثمانا باهظة من دمه وماله و حياته في سبيل حرية وكرامة وطنه. فسوريا من الدول العربية القلائل التي لم تحمل نفسها عبء دين خارجي خاصة من الصندوق الدولي والبنك الدولي، لكن بعد النزاع الذي حصل بين المعارضة السورية والنظام السوري استشرى الفقر بين المواطنين وتراجعت مدخولات من الطاقة على رأسها النفط، ومنتجاتها الزراعية أصيبت بتدهور كبير ومتسارع، ورغم العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية و دولا غربيةفي عهد الأب حافظ الأسد، استطاعت أن تبقى ويكابد شعبها تبعات تلك العقوبات، فهي دولة تعتبر إلى حد ما مكتفية ذاتياً في وقت من الأوقات، وأنشات جيشاً قوياً في المنطقة، لذا تلك الميزات التي يعول الشعوب العربية على استعادتها والسير عليها من قبل الحكم الجديد، و التمسك بها و عدم التفريط بها تحت أي مبررات.
سوريا الآن يبدو أنها تعتزم أن تنهض من وسط الظروف القاسية التي مرت بها من حرب و عقوبات وأطماع الدول الغربية للهيمنة على ثرواتها والاستئثار بها فتجلى ذلك بقواعد عسكرية لبعض الدول الغربية على أرضها، ناهيك عن الكيان المحتل الذي يمد بصره إلى السيطرة الشاملة على كامل أراضي الجولان، وربما إنشاء منطقة عازلة تمكنه من القيام بعمليات عسكرية تحت ذريعة الحفاظ على أمن "إسرائيل" وهذه معضلة أيضا ستواجه من سيتقلدون المسؤولية في سوريا.
فالأمن والاقتصاد والحفاظ على لحمة الشعب السوري بجميع أطيافه، من أهم الملفات التي تتصدر أولويات الحكومة الإنتقالية مدة ثلاثة أشهر، ولا يخفى على أحد تلك الفورة الغربية التي هبت للتوافد على العاصمة السورية، لاستطلاع رؤية المسؤولين السوريين في قضايا عدة تشغل بالهم، في مقدمتها قضايا المرأة وحرية الرأي و حقوق الإنسان والإثنيات والعلاقات الدولية وهذا بالطبع إعلاميا وأمام العالم، لكن في باطنه الحفاظ على مصالحها.
سوريا في هذه الأوقات تتلمس طريقها بعد سنوات من المعاناة المريرة نتيجة للحرب واللجوء والنزوح، والآن بعد استتباب الأمور ولو بشكل نسبي، تعول الشعوب العربية على سوريا القوية التي تدعم الاستقرار والأمن الإقليمي وخير معين لمحيطها العربي.