معركة "الوعي" وتحديد مستقبل الشعوب
فيصل تايه
22-12-2024 11:34 AM
المتابع للمشهد السياسي وتطورات مستجدات الأحداث المتسارعة على الصعيد العربي لا بد له أن يتوقف ليقرأ الأحداث قراءة متأنية فاحصة لما بين السطور بعيدًا عن انسياق وراء وسائل الإعلام وما يروج له الإعلام الصهيوني والإعلام المساند له ، مع الإشارة الى معركة الوعي للربط بين ماضي الأحداث وحاضرها لاستشراف المستقبل بوعي مستنير من خلال وضع النقاط على الحروف ليتضح المعنى، ومن ثم البناء على مستجدات الأحداث وتداعياتها اليوم في المنطقة، وما يجري في سوريا وما يعد من سيناريوهات يتم الترويج لها بوعي أو بدون..
وهنا ونحن نعيش اشكاليات العصر الرقمي يحضرني ما أحدثه التكنولوجيا من تغيرات في الواقع السياسي العربي بعد العام ٢٠١١، جراء استخدام التقنية الإعلامية الرقمية كونها سلاح جديد بيد الدول الكبرى أطلق عليه "القوة الناعمة" ، ليحل محل السلاح التقليدي بهدف السيطرة على دول العالم الثالث؛ إذ لم تعد الجيوش وحدها تقرر مصير الحروب ورجحان كافة الأطراف المتقاتلة، إنما بالمعلومات التي يملكها كل طرف حول الطرف الآخر ومدى سرعة انتشارها وتأثيرها .
الآن وفي ظل خطورة العصر الرقمي المتزايدة والاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة في الاتصال والإعلام الذي تعتمد عليه الدول الكبرى في سعيها لتحقيق مكاسب وأهداف سياسية خارجية من خلال التعامل مع الشعوب بدلا عن الحكومات باستخدام أدوات وتقنيات الاتصال الحديثة، مع إمكانية التحكم بإعلامهم والتأثير في اتجاهاتهم، بل وجرفهم وجبرهم على ممارسة سلوك مضاد ، يؤدي في النهاية إلى ممارسة ضغوط حاسمة على حكوماتها ، وهذا ما ظهر في سياسة الدول العظمى من خلال "الفيس بوك وتويتر" الذي لعب دوراً مؤثراً فيما يسمى بثورات الربيع العربي ، تمثل في قدرة وسائل التواصل الرقمية على تشكيل الاتجاهات، وتوفير عوامل الاستقطاب للتأثير على المواطن، وفي ساحات مفتوحة للحوار، وعملت على زعزعة أمن واستقرار عدد من الدول العربية، حيث تصدرت مواقع التواصل “فيس بوك” ذلك المشهد، وقد كشفت العديد من التقارير حول شبكات الهاتف المحمول عن زيادة كبيرة في استخدام الفضاء الرقمي بعد ثورات الربيع العربي في مصر، حيث لعب فيس بوك وتويتر دوراً فاعلاً في تحريك الشارع ما أدى إلى تخلي عدد من رؤساء الدول العربية عن السلطة وخروجهم من المشهد الى السياسي لبلدانهم والى الابد .
وبذلك وكما هو واضح فقد تحول الفيس بوك وتويتر من الشؤون الاجتماعية إلى الاهتمامات بالشؤون السياسية للدول، وأصبحت الصفحات السياسية تفوق الصفحات الرياضية والفنية فيما لم تدرك الحكومات مستوى وحجم المسؤوليات لرعاية الفئات العمرية الحرجة من الشباب؛ فتم استغلال تقنيات التكنولوجيا والبطالة؛ ليجد الشباب فيه متنفساً للتعبير عن أراءهم السياسية التي لا يستطيعون الجهر بها في العالم الواقعي الذي يعيشونه غير مدركين لأبعاد ومرامي تلك المخططات..
ان ما يحدث "اليوم" من انجراف مجاميع كبيرة من الناشطين وراء تلك المخططات في الترويج لها والانسياق دون وعي ، ومنها ما يحدث من تأمر واضح لحرف المسار عن مساندة ودعم اهل "غزة" والتخفيف عن تركيز الرأي العام العالمي الذي كان قد بدأ يطالب بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وعلى رأسهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو ووزير دفاعه المقال غالانت ، وعلى وقع الكارثة الناتجة عن ارتكاب العدو الإسرائيلي للمجازر وجرائم حرب الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطينيي في غزة ، ومن ثم لفت الأنظار إلى ما يحدث في سوريا لإشغال الرأي العام بما حدث بها ، اذ ان انصرف الرأي العام وراء ذلك لصرف النظر عن متابعة المشهد في غزة التي قتل كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ م أكثر من ١٤٠ الف من أبناء الشعب الفلسطيني في أكثر من ٤٠٠ يوم ، وأصاب أكثر من ١١٠ الف اخرجن جلّهم من الأطفال والنساء..
من المؤلم اليوم ، والذي يندى له جبين "الإنسانية" أن يمنع كيان الاحتلال فرق الإسعاف من الوصول إلى الجثث المتناثرة في شوارع وأزقة غزة ، وتركها للكلاب تنهشها في وحشية بشعة لم تشهدها البشرية من قبل ، فأيهما أولى في معركة الوعي اليوم وتستحق الاهتمام وتوجيه الأنظار إليها في هذا الظرف العصيب ، وشغل الناس بلفت النظر الى معارك هامشية و"تغيير أنظمة" ومتابعة تفاصيل الاحداث بها ، ذلك لإفساح المجال لكيان العدو الإسرائيلي المدعوم من دول الاستكبار العالمي للاستمرار في ارتكاب المزيد من المجازر وجرائم حرب الإبادة الجماعية في غزة !؟ ..
والله ولي الصابرين ..