الدين العام في الأردن .. تحديات وفرص الإصلاح
د. رعد محمود التل
22-12-2024 11:06 AM
ورثت حكومة الدكتور جعفر حسان إرثاً ثقيلاً على مستوى السياسة المالية يتمثل بعبء الدين العام. فالاقتصاد الأردني اليوم يمر بنقطة تحول حرجة في ظل ارتفاع الدين العام إلى حوالي 42 مليار دينار أردني وفقًا لتقارير وزارة المالية.
في الوقت نفسه، تسعى الحكومة إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل وفقاً لرؤية التحديث الاقتصادي. لذلك تفرض هذه المرحلة تحدياً كبيراً على الحكومة لمحاولة الانتقال من اقتصاد ينمو بتباطؤ إلى نموذج قائم على النمو المستدام.
يُعد ارتفاع الدين العام أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني لأسباب متعددة، فالحكومة تخصّص نسبة كبيرة من الإيرادات العامة لخدمة الدين، مما يحد من قدرتها على تمويل مشاريع تنموية ذات قيمة عالية في الاقتصاد. فقد شكّلت فوائد الدين العام في 2024 ما يزيد على 2.9 مليار دينار (ورثتها من الحكومة السابقة)، ما أضعف الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية ومختلف مبادرات رؤية التحديث الاقتصادي. هذا الواقع تعرفه حكومة الدكتور حسان جيداً، ويعكس ضرورة تحسين كفاءة إدارة المال العام وتعزيز الإيرادات المحلية من خلال قنوات مختلفة بحيز مالي ضيق.
بالإضافة إلى توسيع الأنشطة الاقتصادية وزيادة الإيرادات الإجمالية، هناك مؤشرات رئيسية لتقييم أدائنا في ضمان استدامة الدين العام. أولاً، يجب أن يكون معدل النمو الاقتصادي أكبر من معدل نمو الدين العام. ثانيًا، يجب أن يتجاوز النمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي معدل الفائدة الاسمي على الاقتراض. لذلك، يجب أن نركز على استراتيجيات لزيادة الإيرادات، وتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي ليكون أسرع من نمو الدين، ومحاولة الاقتراض بأقل معدلات فائدة ممكنة.
في سبيل ذلك، فقد أعلنت الحكومة سلسلة قرارت إصلاحية لتحسين كفاءة جمع الإيرادات وزيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد، ممثلة في ملف التسويات الضريبية، والرسوم الجمركية، واعفاءات الرسوم العقارية ورسوم ترخيص المراكب وبعض الاعفاءات على الصادرات الخدمية.
تتوقع المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، أن يحقق الأردن نموًا اقتصاديًا بنسبة 2.5% في عام 2025، مدعومًا بإصلاحات هيكلية وتحسن بيئة الأعمال. تشمل التوقعات إطلاق مشاريع استثمارية جديدة خصص لها في موازنة العام القادم ما يقارب 1.6 مليار دينار في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، حيث يشكل قطاعا السياحة والصناعة ركيزتين أساسيتين لتحفيز النمو الاقتصادي حسب رؤية التحديث التي تحرص الحكومة على تنفيذ بنودها بصورة واضحة. فمن خلال استثمارات جديدة في التكنولوجيا والطاقة المتجددة، يمكن للأردن تنويع مصادر دخله وزيادة مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي.
كما تعمل الحكومة على تخفيض نسبة العجز المالي تدريجيًا من 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى حوالي 4.8% في 2025. ومع ذلك، يبقى النجاح مرهونًا بقدرة الأردن على تنفيذ سياسات إصلاحية فعّالة تعالج التحديات الجذرية مثل البطالة التي لا تزال عند مستويات مرتفعة تبلغ 21.4%..
لتحقيق الاستدامة المالية، يجب على الأردن تبني استراتيجيات طويلة الأمد تعزز الإنتاجية وتنويع الاقتصاد، ويشمل ذلك تعزيز الصادرات، تطوير الصناعات التحويلية، والتركيز على الابتكار والتكنولوجيا. كما ينبغي للحكومة والقطاع الخاص العمل معًا لخلق بيئة اقتصادية مستقرة ومستدامة تحقق رفاهية المواطنين وتضمن استقلالية القرار الاقتصادي.
بينما يشكل الدين العام تحديًا كبيرًا، فإن الإصلاحات الجارية وإمكانات القطاعات المحلية تمثل بارقة أمل لتحول اقتصادي مستدام في ظل فهم عميق تظهره الحكومة لتحسين الاداء الاقتصادي الكلي.
كما يمتلك الأردن استراتيجيات طويلة الأمد ممثلة برؤية التحديث الاقتصادي تستند إلى تعزيز الإنتاجية، وجذب الاستثمارات، وتطوير القطاعات الحيوية مثل السياحة والصناعة.
إن النجاح في تحقيق هذا التحول يتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص، بهدف بناء اقتصاد قائم على تحسين الانتاج محلياً وضمان الاستدامة المالية وتحقيق رفاهية مستدامة للأردنيين.
الرأي