الزعبي يكتب: فوائد باتجاه متعاكس
عبد المنعم عاكف الزعبي
21-12-2024 05:27 PM
على غير ما جرت العادة، اتخذت فوائد القروض والودائع في الأردن اتجاها متعاكسا منذ بداية العام 2024.
إحصائيات البنك المركزي تظهر بأن معدل سعر الفائدة على القروض انخفض من 8.82% نهاية عام 2023 إلى 8.37% في شهر تشرين أول 2024.
على النقيض من ذلك، ارتفعت أسعار فائدة الودائع خلال ذات الفترة من 5.94% إلى 6.02%.
الاتجاه المتعاكس في حركة فائدة القروض والودائع له دلالات مهمة تستحق الوقوف عندها.
أولى هذه الدلالات أن انخفاض فائدة القروض يأتي على حساب ربحية البنوك، وليس مقابل انخفاض مماثل في فائدة الودائع.
أي أنه مدفوع بأسباب قوية لم تقف أمامها فوائد الودائع المستمرة بالارتفاع، وهي بالضرورة أسباب تتجاوز الدورة النقدية التوسعية وتوقعات انخفاض الفوائد أمريكيا ومحليا.
الاستنتاج إذا أن انخفاض فائدة القروض سببه أيضا التنافس الحاد على المقترضين المليئين الذين تراجع عددهم نتيجة التباطؤ الاقتصادي الذي شهده الأردن منذ بداية العام 2024.
يؤكد صحة هذه النظرية معدلات النمو المنخفضة للتسهيلات العام الحالي، والتي تعتبر إلى جانب العام 2023، الأقل منذ أكثر من 10 سنوات.
كما يدعم هذا التفسير تراجع أرباح البنوك الأردنية (فروع الأردن) المدفوع جزئيا بارتفاع القروض غير العاملة، والمنحنى المعكوس لفوائد سندات الحكومة، وبما يؤكد تسابق البنوك على التسهيلات منخفضة المخاطر، ولو تطلب ذلك تآكل هامش الفائدة بين القروض والودائع.
البنوك، ونتيجة الظرف الاقتصادي الصعب وتراجع الربحية، باتت تسعى لمساعدة عملائها على تجنب التعثر من خلال فوائد أقل حتى لو كان ذلك على حساب الأرباح. فبقاء القرض عاملا على فائدة أقل خير من تعثر العميل كليا.
التنافس المتنامي والموقف التفاوضي الأضعف للبنوك أمام العملاء المليئين، وفي مقدمتهم الحكومة، يستدعي من وزارة المالية التفكير بإصدار سندات طويلة الأجل (10 سنوات أو أكثر) على أسعار منافسة، وأيضا مراجعة قروضها القائمة من البنوك لتخفيض الفائدة عليها.
بالانتقال إلى جانب الودائع، فإن استمرار فوائدها بالارتفاع رغم تراجع فوائد التسهيلات وبدء دورة تخفيض الفوائد ينبئ بتنافس كبير له مبرارته.
أحد هذه المبررات أن نمو الودائع تراجع خلال العام 2024 مقارنة بالأعوام الماضية، وذلك نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع دوران النقد المتولد من النشاط الإقراضي.
وقد بلغ نمو الودائع لأول 10 أشهر من العام الحالي 2% فقط، مقارنة ب 3.29% عام 2023، و7.7% عام 2022.
ومن المبررات الأخرى للتنافس المتنامي على الودائع ارتفاع نسبة القروض غير العاملة - رغم أنها لا تزال ضمن الحدود الآمنة والمريحة. فالبنوك تسعى لتعزيز معدلات سيولتها في مواجهة ما تشهده من تراجع للأرباح، خصوصا مع ازدياد حالة اللايقين في المنطقة.
أيضا هناك ارتفاع نسبة الرفع المالي للبنوك (الأصول نسبة لرأس المال) مقارنة بمعدلاتها التاريخية، مما يعني ازدياد اعتماد البنوك على الودائع بدلا من رأس المال لتمويل أصولها، مما يزيد التنافس على الودائع.
البنك المركزي، باحترافيته المعهودة، بدأ العمل لخفض فائدة الودائع، والسماح بالتالي لمزيد من الانخفاض في فوائد التسهيلات.
على هذا الصعيد، قلل البنك المركزي من شهادات الإيداع التي يصدرها للبنوك أسبوعيا بواقع 200 مليون دينار، بهدف ضخ المزيد من السيولة، وتخفيض عائد البنوك على سيولتها الفائضة.
البنك المركزي يمتلك المزيد من الأدوات لتخفيض فائدة الودائع والتسهيلات، مثل تخفيض الاحتياطيات الإلزامية، والمزيد من تخفيض شهادات الإيداع، وربما أيضا تخفيف القيود على جوائز حسابات التوفير، بهدف تعزيز جاذبية الودائع منخفضة الكلفة للعملاء.
كما يمتلك البنك المركزي خيار الضغط باتجاه توزيعات نقدية أقل لأرباح البنوك خلال الأعوام القادمة.
اللجوء إلى الأدوات السابقة يتعمد بالدرجة الأولى على تطورات المنطقة، واتضاح انعكاسات السياسة الاقتصادية لإدارة ترامب على أسعار الفائدة عالميا.