من المؤكد أن سقوط نظام بشار الأسد جاء نتيجة تفاهمات سرية بين القوى الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة، وهذا ما يتوافق مع تكتيكات سبق أن شهدها العالم في التاريخ السياسي العالمي، ومثل هذه السيناريوهات غالبًا ما تعتمد على استراتيجيات دبلوماسية وعسكرية معقدة، تشارك فيها دول وقوى متعددة لتحقيق أهداف استراتيجية دون خوض مواجهات عسكرية مباشرة وهذا ماحدث وراء الكواليس والدهاليز متعدد البوابات .
ولعل الدور الأمريكي هو الابرز في تقويض نظام بشار الاسد البائد، باستخدامها لعدد من الاستراتيجيات ، التي كان من اهمها و ابرزها ، دبلوماسية خلف الكواليس ، من الواضح أن الولايات المتحدة قد نسقت مع حلفائها ، مثل تركيا والدول الأوروبية ، لإضعاف نظام الأسد دون تدخل مباشر أو واضح ، دعم الفصائل المسلحة ، واشنطن قامت بإحياء دعمها لفصائل المعارضة المسلحة عبر تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية والمعدات الحديثة بشكل غير مباشر، ضغوط اقتصادية ، العقوبات الاقتصادية ، وخاصة "قانون قيصر"، أضعفت اقتصاد النظام السوري إلى درجة أنه أصبح هشًا للغاية ، مما سهّل انهياره في لحظة مواجهة عسكرية ، التفاهم مع روسيا ، من المؤكد أن تكون واشنطن قد توصلت إلى اتفاق مع روسيا لضمان خروج آمن لبشار الأسد مقابل الحفاظ على المصالح الروسية الاستراتيجية في سوريا ، مثل قاعدتي طرطوس وحميميم.
ويمكن القول ان الدور الروسي وبناء على تغيير في حساباته الاستراتيجة انها ادركت أن دعم نظام الاسد بات مكلفًا للغاية سياسيًا واقتصاديًا ، كما انها أدركت ان قبول موسكو بخروج الأسد قد يكون جزءًا من اتفاق للحفاظ على نفوذها في سوريا مستقبلا من خلال دعم حكومة انتقالية تحمي مصالحها، روسيا قد تكون وافقت على صفقة تعطيها دورًا رئيسيًا في مستقبل سوريا السياسي مقابل تقليص النفوذ الإيراني ، وهو هدف مشترك بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن المهم ان نتعرض لوضع كل من إيران التي تراجع دورها في سوريا بسبب الضغوط الاقتصادية والسياسية والذي قد يكون جزءًا من التفاهمات ، و من الواضح ان القوى الكبرى قد تكون اتفقت على تحجيم دور إيران في سوريا كشرط لاستبدال النظام السوري، اما تركيا فلديها مصلحة كبيرة في إسقاط الأسد لضمان مصالحها الأمنية في الشمال السوري، وتركيا اصبحت جزءًا من تحالف غير معلن لتحقيق ذلك، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية، اما إسرائيل ، فمن مصلحتها إسقاط الأسد إذا أدى ذلك إلى إضعاف النفوذ الإيراني وحزب الله في سوريا، والتنسيق الإسرائيلي الأمريكي في هذا السياق حاضرًا.
ومن الواضح ان التكتيكات العسكرية والاستخباراتية السرية كان لها اثر واضح وفعال فالهجمات الدقيقة على مواقع استراتيجية للنظام ، مثل مراكز القيادة والسيطرة، بأسلوب أدى إلى شلل النظام، أدى الى حدوث الانشقاقات داخل النظام ، و ذلك من خلا تسريب وثائق أو ترتيب انشقاقات داخل الجيش والنظام ساعد على تفككه من الداخل و قد تكون هناك تفاهمات سرية مع بعض الشخصيات البارزة داخل النظام لضمان انتقال السلطة بسلاسة وبشكل سلمي .
هذه الاحداث الدرامية المرسومة بايدي مهندسين مهرة من السياسيين و التي جرت في ظل تفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا (وربما الصين)، للضغط على الأسد للمغادرة كجزء من صفقة تحقق التوازن بين القوى الكبرى، في ظل اتفاق ضمني على تشكيل حكومة انتقالية تضمن مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضة المعتدلة والقوى الإقليمية، في ظل تفعيل تكتيكات عسكرية واستخباراتية دقيقة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك لتسهيل انهيار النظام دون تدخل عسكري مباشر.
ومن المهم القول ان إسرائيل ترى في سقوط الأسد فرصة استراتيجية لإضعاف إيران وحزب الله، وتقليص التهديدات المباشرة على أمنها القومي ، مع حرصها على ضمان أن أي نظام جديد في سوريا لا يكون معاديًا لها أو يُنتج حالة من الفوضى التي قد تهدد استقرار المنطقة، لهذا يُعتقد أن إسرائيل تنسق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة ودول غربية لضمان أن تكون التطورات في سوريا متوافقة مع مصالحها الاستراتيجية، وبفصيح العبارة ان الوضع برمته يخدم المصالح العلياء للكيان الاسرائيلي وان غدا لناظره قريب الذي يمتلك شهية مفتوحه لضم وقضم الاراضي، وان الكيان لن يتراجع و لن يتخلى عن الاراضي التي تواجدة عليها اثناء وبعد سقوط النظام ، وانه من المؤكد ان الثورة السورية (تشكل السقوط والقيامة) سقوط طاغية وقيامة شعب، ومن المحتمل انها مقبلة على اوضاع لا تحسد عليها في ظل تسلط القوى الكبرى على مقدراتها ، قاتل الله الاسد لقد دمر سوريا حاكما وسيدمرها بعد سقوط نظامه البائد .
حمى الله الاردن وجميع بلدان العرب والمسلمين..
* النائب السابق / د. بركات النمر المهيرات العبادي.