"تسجيلات يوناذم هرمز" لبولص آدم .. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
21-12-2024 11:33 AM
عمون - تندرج رواية "تسجيلات يوناذم هرمز.. ابن قرية عراقية" للكاتب بولص آدم تحت أكثر من تصنيف؛ فهل هي رواية تاريخية، أم رواية توثيقية؟ وحده القارئ يمكنه التوصل إلى تصنيف الرواية من خلال رحلته مع صفحاتها.
تضم الرواية الصادرة حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في 416 صفحة، عدداً من التسجيلات على لسان البطل، كل منها يشتمل على عدد من العناوين الفرعية.
وتبدأ الرواية التي اختير لغلافها صورة للبطل من تصوير ريتشارد، باقتباس لبورخيس يقول فيه: "نحن بالفعل النسيان الذي سنكون/ الغبار الأوَّلي الذي يتجاهلنا".
ويورد الروائي بولص آدم ما يمكن تسميته "شرارة البدء" على لسان بطل الرواية "يوناذم هرمز" قائلاً: "لا تستغرب عزيزي بولص آدم! لديّ الكثير للبوح به، يبقى الحديث عن قريتي (ديري) موضوعي المفضّل. أتحدى أن يكون هناك إنسان يعرف (ديري) والمنطقة أكثر مني، أنا لا أبالغ، أنا موسوعة!".
ويضفر بولص آدم أحداث الرواية التي يرويها البطل في التسجيل (الكاسيت) الرابع فيقول: «صديقه الشرطي بريمو، عاد من واجب في قرية بعيدة، صرعته السكتة القلبية وهو على ظهر بغلته، مال جذعه على عنقها، ورأسه تدلَّى عند عينيها، أوصلته حتى باب مركز الشرطة. أنزلوا بريمو المُتوفَّى والبغلة تشم رأسه، ثم اتجهت إلى أقرب حائط وبدأت بضرب رأسها به، والكل لا يستطيع الاقتراب منها، تضرب رأسها بالحائط الصخري مهتاجة ترفس الهواء، ظلت تضرب رأسها بكل ما أوتيت به من قوة حتى لفظت أنفاسها الأخيرة حزناً على بريمو.. ومرقس نرسي حماه قد حضر هذه الفجيعة، "ابنته شالم تعيش اليوم في أريزونا"..».
وفي ختام الكاسيت الرابع نفسه يقول بولص آدمعلى لسان يوناذم هرمز: "لن تنسى أمي مدى الحياة، منظر سقوط الأُم على المهد، لكأنها ترغب باحتضان ابنتها للمرة الأخيرة، لن تنسى العويل المكبوت خوفاً من أن يكون مسموعاً، لن تنسى المهد الذي انقلب ودم الأُم امتزج بدم الطفلة الجريحة والقماط الأبيض قد احمرَّ ووجه الطفلة في التراب..
قال أبي: "مرَّغ الإنجليز والحكومة، اسمنا وشرفنا في الوحل والدماء، ابقي يا مريم هنا وحافظي على الأطفال، سأعود مع لاجين وغورييل إلى المخفر في عين نوني".. عند وصولهم كانت برقية بالانتظار!".
ويصف بولص آدم مشهداً من أهم المشاهد التي انبنى عليها كثير من الأحداث التالية في الكاسيت السادس فيقول: "الكل في القرية يسمعون الصرخات، كل الأحداث كانت محفورة بصرخاتها في ذاكرتهم، ويحاولون أن يصلوا في الوقت المناسب من كل مكان ورؤية كل شيء.. طوابير الهارعين تتحرَّك من مختلف الجهات، يجب الحضور للمساعدة، رغم عودتهم من حقولهم مُتعبين. في لحظة كهذه، لا يوجد وقت للجلوس بلا مبالاة، فذلك عار في ساعة الجريمة ذلك المساء. في هذا الاضطراب الاستثنائي مرة أخرى. كل شيء غير عادي. ثمة من بقي إلى جانب الزوجة والزوج الصريع، ثمة من يصرخ: "ياقو حي، ما زال حيّاً، هاتوا أقرب حمار أو بغل لننقله فوراً إلى العمادية". ثمة من انطلق مسرعاً لتبليغ شرطة العمادية، وآخرون يحاولون فتح الباب الذي يصدهم للوصول إلى ججو وأستو، كانا قد دخلا الحضيرة وأغلقا الباب خلفهما.. لم يفلحوا بفتح الباب حتى وصول الشرطة".
وفي الكاسيت الثاني عشر يقول بولص آدم حول رحلة كفاح يوناذم هرمز: "بدأت أدرك قيمة النصائح وتراكم الخبرة العملية، من خلال نجاحي في البزنس، ومنحت بدوري ما تعلَّمته لغيري بمرونة. كل من الشاعر نينوس نيراري، إيوان كوركيس، يوسب رشو وجسمان جاسم، ومن خلال إذاعتنا في شيكاغو، حاوروني على مدى عشرين حلقة خاصة بالعمل. عوامل النجاح، أسباب الإخفاق. شجَّعت الشباب كثيراً على الدخول في البزنس وعدم التردُّد أمام المجازفة. أعلم أن الكثيرين منهم لم يلقوا تشجيعاً من عوائلهم".
وفي الكاسيت نفسه يقول: "هيا علمني! قبل تسجيل هذا الكاسيت، بحثت عن مرادف لاسم نبات بري جبلي في قريتي ديري، له طعم حموضة، مفيد للصحة هو طرشوكي، قل لي، هل تعرف مرادفات هذا الاسم بالعربية، الإنجليزية، الإسبانية وغيرها؟ أبحث عن النبات ربما ينمو قريباً من بيتي. لا أدري".
وفي الكاسيت السادس عشر يتحدث عن القصف الثاني لديري (مسقط رأس البطل)، فيقول بولص آدم: "بعد أن لجأنا إلى قرية كوماني ثم إلى كهوف على نهر صبنا، أعقبَ قصف ديري، بقوة تمشيط من الجتة الموالية للحكومة، منهم من دخل إلى تلك الخرائب، وهو تجاوز للأوامر، وأخذوا كل ما اختاروه نافعاً ليسرقوه، حتى الشبابيك وجذوع شجر الحور التي تدعم سقوف البيوت، حملوها على دواب ونقلوها معهم، ذلك الجهاز الذي أهداني إياه واحد من زوار ديري، تجمع هؤلاء وتبادلوا النظر إلى السلايدات وأعجبهم ما يشاهدونه من معالم ومناظر أجنبية وأخذوها معهم، الجهاز البسيط الأسود إياه كنت أسميه سينما، وكان مما أفتخر به بين أصدقاء طفولتي.. يؤكد قصة السينما والجتة، أربعة من عائلة إرميا الآشوتي من سرسنك، يوم التقيتهم في الموصل.
في واحدة من رحلاتي من أريزونا إلى شيكاغو، تجوَّلت في سوق الخردوات والأنتيكة، عثرت على واحدة مثل تلك السينما وبنفس المواصفات فاقتنيتها واحتفظت بها".
وفي التسجيل الأخير يختتم الراوي بمشهد درامي مؤثر يصفه بولص آدم فيقول: "كنت مارّاً في طريق ضيق، بين بيوت محلة يسكن فيها أقاربنا من ديري، انفتح الطريق على ساحة صغيرة يلعب فيها الصغار كرة القدم، ثمة شخص عجوز واقف أمام باب البيت، يرتدي الزي الكردي، يشبك كفيه خلف ظهره، ينظر إلى أعلى، سحابة صيف خفيفة تمر ببطء في سماء العمادية، أدار وجهه فجأة، مثل من أحس بأنني أنظر إليه، أدرت وجهي بعد أن تبادلنا النظر للحظات، كلانا سأل نفسه، من يكون هذا الآخر. شكراً للصدفة، مرَّ بي صديق سلم عليَّ، فسألته دون النظر إلى الرجل العجوز.. من يكون، لم أرَه من قبل هنا، يقف أمام بيت يوخنا؟".
ومن الجدير بالذكر أن بولص آدم أديب وفنان سينمائي عراقي، يكتب الرواية والقصة القصيرة والقصيرة جدّاً والنقد. وينقش وينحت على الرخام والمرمر. خريج أكاديمية الفنون الجميلة- جامعة بغداد. اختصاص سينما، أخرج عدة أفلام قصيرة ومثَّل في العديد من المسرحيات. درس الفلسفة وتاريخ الفن في النمسا. صدر له: كتاب "ضراوة الحياة اللامتوقعة"، القاهرة، 2010. "اللون يؤدي إليه"، بغداد، 2013. "باصات أبو غريب"، دمشق، 2020. "نينا تغني بياف"، الأردن، 2024.