ملامح إدارة ترامب في السياسة الخارجية
د. محمد خالد العزام
20-12-2024 10:06 PM
الرئيس ترامب عاد أكثر قوة وخبرة وتصميما لإعادة مكانة أمريكا لعصرها الذهبي- وقد تسببت بشرخ مجتمعي وسياسي وطبقي غير صحي في المجتمع الأمريكي.
عاد ترامب برغم اتهامات خصومه له، وعلى رأسهم الرئيس بايدن ونائبته ومنافسته نائبة الرئيس كامالا هاريس، وتحذيرهم من خطره على الديمقراطية وشيطنته ـ ووصفوه مع كبير موظفي البيت الأبيض السابق الجنرال جون كيلي ومعه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الجنرال مارك كيلي «بالفاشي».
وفي سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ـ لم يدعم ترشيح ترامب لرئاسة ثانية نائبه مايك بنس ونصف أعضاء إدارته لاستبداده!
إذ كانت انتخابات الرئاسة الأمريكية تاريخية بكل المعايير بعودة رئيس بعد هزيمته في حملته الرئاسية الثانية عام 2020 ـ ونجاحه برغم سلسلة من القضايا الجنائية التي أدين في بعضها، وعلقت بعضها، والاتجاه اليوم لشطبها جميعها بعد فوز ترامب بالرئاسة وتمتعه
بالحصانة الرئاسية.
ومما لا شك فيه أن عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، تثير موجة من القلق في أوساط الفلسطينيين وكثير من العرب، حيث يأتي التحول في الإدارة الأمريكية متزامناً مع حرب الإبادة الشاملة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي حرب لا تتوقف عند الإبادة، وإنما تمتد إلى تهديد المنطقة بأكملها وتغيير شكلها جذرياً.
ترامب يأتي بعد عام كامل من الانحياز الأمريكي الكامل للحرب الإسرائيلية، وبطبيعة الحال فإن أصوات العرب والمسلمين، التي حصدها في هذه الانتخابات كانت في واقع الحال عقاباً للرئيس جو بايدن، الذي أطلق العنان بشكل كامل للعدوان الإسرائيلي، وقدّم كل الدعم للاحتلال، وواصل إمداد الإسرائيليين بالأسلحة المستخدمة في هذه الحرب، بل حتى عندما اندلع الخلاف بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يستخدم أية وسائل للضغط عليه، وانتهى المطاف إلى تجاهل نتنياهو لمطالب بايدن.
ويرى المحللون السياسيون أن انتخاب ترامب لن يؤدي إلى أي تغيير يُذكر في مسار الحرب الإسرائيلية، والمشروع الذي يقوم نتنياهو بتنفيذه في فلسطين والمنطقة، ويستندون في ذلك إلى حقيقة أن الجمهوريين والديمقراطيين، يقدمون دعماً لا محدوداً لإسرائيل على الدوام، وأنهم تاريخياً لم يختلفوا عن بعضهم بعضاً في حجم الدعم والتأييد لإسرائيل، وعليه فإن الكثيرين لا يجدون فرقاً بين بايدن وترامب.
واقع الحال أن بايدن لم يتأخر عن تقديم الدعم لإسرائيل طيلة السنوات الأربع الماضية، ولم يتمكن حتى من تغيير مسار الحرب الإسرائيلية، عندما أعرب عن رغبته بذلك، ولم يُمارس أي ضغوط على إسرائيل تجعلها تحسبُ أي حساب للموقف الأمريكي، ما يعني في نهاية المطاف أن بايدن أعطى لنتنياهو كل ما يريد من أجل أن يبدأ هذا الأخير بتنفيذ مشروعه الاستئصالي في المنطقة، الذي يقوم على تدمير أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية ولو بعد حين.
وعلى المستوى الفلسطيني يبدو أن الاختلاف الرئيس بين بايدن وترامب هو ذلك المتعلق بــ»صفقة القرن»، التي هي مشروع التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي طرحه ترامب خلال ولايته الأولى، وأخطر ما في هذا المشروع أنه «صفقة» وليس «اتفاقا»، وهذه الصفقة يريد ترامب تنفيذها، دون النظر إلى الفلسطينيين ولا التحدث إليهم، ولا أخذهم بالاعتبار، بل يريد فرضها فرضاً وتنفيذها بإرادة أمريكية إسرائيلية منفردة.
والدليل على ماسبق إذ أن ترامب خلال فترة ولايته الأولى بدأت الإدارة الأمريكية بالفعل في تنفيذ هذه الصفقة، التي حازت الموافقة الإسرائيلية، ووجد فيها نتنياهو تلبية لطموحاته، حيث قررت الإدارة الأمريكية نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وبدأت بالتعامل مع المدينة المقدسة على أنها عاصمة لدولة إسرائيل، خلافاً لاتفاقات التسوية السابقة، كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، وخلافاً لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، التي اعتبرت القدس أرضاً متنازعاً عليها ويتم البت في أمرها بالتفاوض وليس بالحرب، ولا بفرض الأمر الواقع. أهم ما في خطة «صفقة القرن» التي ستعود بالواجهة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، هو أنها تضمن استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم أراضي الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، كما أنها تتضمن ضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، إضافة إلى بقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية، واعتبارها بشكل كامل عاصمة لإسرائيل، بما فيها القدس الشرقية. أما الحرم القدسي الشريف فيظل على حاله الآن، أي أنه يبقى تحت السيادة الإسرائيلية وتديره من الداخل وزارة الأوقاف الأردنية.
كما أن «صفقة القرن» تتحدث عن «اللاجئين اليهود»، مقابل «اللاجئين الفلسطينيين»، وهو مصطلح جديد لم يسبق الحديث عنه، ولا تم طرحه في أية مفاوضات، وهذا ما فهمه الكثيرون على أنه باب جديد للحصول على الأموال من الدول المانحة ، إضافة إلى محاولة لتذويب قضية اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيش أغلبهم في دول الطوق، وتحديداً في الأردن وسوريا ولبنان.
والخلاصة هو أن أكثر ما نخشاه اليوم هو أن تعاود الولايات المتحدة استئناف العمل على فرض صفقة القرن التي تعني في نهاية المطاف استحالة إقامة دولة فلسطينية، واستحالة عودة اللاجئين من أماكن وجودهم إلى الأراضي الفلسطينية.