من يملك القرار؟! .. شهادة جامعية .. بين اعتراف الدولة .. ورفض النقابة ..
محمود الدباس - ابو الليث
20-12-2024 08:40 PM
تخيل أن تكون في طريق طويل.. تسير فيه مستنيراً بقوانين مرسومة وواضحة.. تتبع الإرشادات بدقة.. تنفق جهدك ووقتك وأموالك دون تردد.. لتصل في النهاية إلى باب مغلق.. لا لشيء.. سوى أن من يقف خلفه.. يملك رأياً مختلفاً عما رسمه لك الطريق ذاته..
هذا ليس خيالاً.. بل واقعاً يعيشه طلاب اجتهدوا.. وحصلوا على شهاداتهم وفقاً للقوانين الأردنية.. والتعليمات الناظمة.. ثم وجدوا أنفسهم أمام مؤسسات ترفض الاعتراف بمؤهلاتهم.. بحجج متناقضة..
بين أيدينا قضية طالب حصل على شهادة الحقوق.. بعد أربع سنوات من الجهد والتعب.. ثم رفضت نقابة المحامين طلبه بالتدريب.. بحجة تخصصه في الثانوية العامة "الفندقي".. هي ليست سوى مرآة لما قد يكون سلسلة طويلة من التناقضات.. فكيف يمكن لنقابة.. أن ترفض شهادة اعتمدتها وزارة التعليم العالي.. وسمحت بها الجامعات؟!.. وكيف تُحمَّل مسؤولية الطالب الذي سار وفق القوانين.. وتأُكد له قانونية خطواته؟!..
هذا الطالب.. حين واجه رفض النقابة لطلبه.. لم يقف مكتوف الأيدي.. بل لجأ إلى وزارة التعليم العالي.. وحصل على كتاب رسمي صادر من أعلى مستوى في الوزارة.. وهو الوزير نفسه.. يؤكد فيه.. أن شهادته مستندة إلى تعليمات صحيحة وقانونية.. وأن إجراءات قبوله وتخرجه من الجامعة سليمة تماماً.. ولا غبار عليها.. ومع ذلك.. واجهت النقابة هذا الكتاب الرسمي.. وكأنه غير موجود.. وكأن قرارها هو المرجعية النهائية.. والتي تعلو على كل القوانين والتعليمات..
هذا التناقض يثير أسئلة عميقة حول آلية العمل المؤسسي في الأردن.. هل هناك منظومة قانونية واحدة تنظم كل شيء بشكل متسق؟!.. أم أن كل مؤسسة تعمل وفق قانونها الخاص.. دون اعتبار للقوانين الأخرى؟!..
إذا كانت النقابة ترى أن شهادة الثانوية الفندقية غير مؤهلة لدراسة الحقوق.. فلماذا لم يُمنع هذا التخصص من التسجيل في الجامعات أصلاً؟!.. وإذا كانت الجامعات تسمح بذلك وفقاً للقوانين.. فلماذا يتعين على الطالب أن يدفع الثمن؟!..
نحن هنا أمام معضلة لا تخص طالباً واحداً فقط.. بل منظومة كاملة قد تفتقر إلى التنسيق والانسجام.. حيث يبدو أن القانون ذاته يتغير بتغير الجهة التي تطبقه.. وهو أمر يخلق حالة من الضبابية والشك في المؤسسات.. ويهدم ثقة المواطن في النظام التعليمي والقانوني.. كيف يمكن لشاب أو شابة أن يخططوا لمستقبلهم.. وهم لا يعرفون ما الذي ينتظرهم عند خط النهاية؟!.. وهل يحتاج كل فرد إلى مراجعة جميع الجهات المعنية.. لضمان أن قراره القانوني اليوم.. لن يُرفض غداً؟!..
مثل هذه القضايا تدفعنا للتساؤل.. هل نحن حقاً نعيش في دولة القانون الواحد؟!.. أم أن تعدد المرجعيات يضع المواطن في دوامة من الإرباك واللا يقين؟!.. ومتى سنرى التنسيق الحقيقي بين المؤسسات المختلفة.. بحيث يكون القانون قانوناً شاملاً.. لا مجال لتفسيره وفق هوى كل جهة؟!..