إلى لغة الضاد في يومها العالمي
د. يحيا خريسات
20-12-2024 08:39 PM
تَفْتَخِرُ جَميعُ الأُمَمِ بِلُغتِها؛ فَهِيَ رَمْزُ وُجودِها وعُنْوانُ رِفْعَتِها. وتَتَسَابَقُ الأُمَمُ فيما بَيْنَها في مَيادينِ العُلُومِ المُخْتَلِفَةِ، وتَسْتَخْدِمُ اللُّغَةَ الأُمَّ في جَميعِ أُمُورِ الحَياةِ، ابْتِداءً مِنَ التَّعْليمِ، وانْتِهاءً بِالبَحْثِ العِلْمِيِّ والابْتِكارِ. تُسَجَّلُ جَميعُ الابْتِكاراتِ والاخْتِراعاتِ بِلُغَةِ الباحِثِ، ومِنْ ثَمَّ تُتَرْجَمُ إلى اللُّغاتِ الأُخْرَى كَي تَعُمَّ الفائِدَةُ.
وتَرْفُضُ الكَثيرُ مِنَ الأُمَمِ التَّحَدُّثَ فيما بَيْنَها إلَّا بِلُغاتِها الرَّسْمِيَّةِ، وحَتَّى في المَحافِلِ الدَّوْلِيَّةِ والاجْتِماعاتِ العالَميَّةِ يُصِرُّ الكَثيرُونَ على التَّكَلُّمِ بِلُغَتِهِم الأُمِّ، وتُسْتَخْدَمُ التَّرْجَمَةُ لِإيصالِ المَعْلُومَةِ لِلآخَرِينَ، حَتَّى لَوْ كانَ المُتَحَدِّثُ مُتَمَكِّنًا مِنْ لُغَةِ المُتَلَقِّي، وذَلِكَ احْتِرامًا وتَبْجِيلًا لِلُغَتِهِ.
الغَريبُ لَدَيْنا أَنَّ البَعْضَ يَتَحَدَّثُ مَعَ أَبْناءِ جِلْدَتِهِ بِلُغَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، بَلْ ويَتَحَدَّثُ مَعَ طُلَّابِهِ أَيْضًا، وهذا يُعَبِّرُ عَنْ عَدَمِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ وَبِاللُّغَةِ الأُمِّ.
نَتَمَنَّى أَنْ نَصِلَ يَوْمًا إلى التَّحَدُّثِ وَالكِتابَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَالبَحْثِ بِلُغَتِنا العَرَبِيَّةِ، وَلَكِنَّنا ما زِلْنا نُواجِهُ الكَثيرَ مِنَ الصِّعابِ، مِنْها اعْتِمادُ دُورِ النَّشْرِ العالَمِيَّةِ المُصَنَّفَةِ لِغايَاتِ التَّرْقِيَةِ، وبِالذَّاتِ في التَّخَصُّصاتِ العِلْمِيَّةِ. كَما أَنَّ عَدَمَ الاسْتِفادَةِ مِنَ الأَبْحاثِ المَنْشُورَةِ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ في مَجالِ التَّصْنِيفاتِ العالَمِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ يُضْعِفُ مِنْ اسْتِخْدامِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ. وفي سَبِيلِ المُنافَسَةِ في مَجالِ الاسْتِشْهاداتِ العالَمِيَّةِ، نَجِدُ أَنَّ النَّشْرَ بِاللُّغَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ يَكادُ يَكونُ ضَرُورَةً. مِنَ التَّحَدِّياتِ الأُخْرَى اعْتِمادُ الكَثيرِ مِنَ المَدارِسِ الدَّوْلِيَّةِ على اللُّغاتِ الأَجْنَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ التَّرْكِيزُ في مَرْحَلَةِ التَّعْلِيمِ العامِّ على اللُّغاتِ الأَجْنَبِيَّةِ أَكْثَرَ مِنَ اللُّغَةِ الأُمِّ.
ما يُنْدَى لَهُ الجَبِينُ هُوَ مُشاهَدَةُ الضَّعْفِ اللُّغَوِيِّ العامِّ لَدَى الطَّلَبَةِ، وَبِالذَّاتِ في مَجالِ الكِتابَةِ وَالتَّعْبِيرِ، حَيْثُ يَكْتُبُ البَعْضُ كَما يَسْمَعُ أَوْ يَلْفِظُ، دُونَ مُراعَاةٍ لِأَدْنَى أُسُسٍ وَقَواعِدَ اللُّغَةِ. وَلِلأَسَفِ، أَصْبَحَتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ عامَّةً بَيْنَ مُعْظَمِ الطَّلَبَةِ.
وفي السِّياقِ ذاتِهِ، يَحْظَى الأُرْدُنُّ بِاهْتِمامٍ رَسْمِيٍّ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، حَيْثُ تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ الرَّكِيزَةَ الأَساسِيَّةَ لِلْهُوِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ. وَقَدْ أُطْلِقَتْ مُبادَراتٌ حُكومِيَّةٌ وَتَعْلِيمِيَّةٌ تَهْدِفُ إلى تَعْزِيزِ اسْتِخْدامِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ في مُخْتَلِفِ المَجالاتِ. كَما تُولِي المُؤَسَّساتُ الأَكادِيمِيَّةُ عِنَايَةً خاصَّةً بِإِحْياءِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، مِنْ خِلالِ دَعْمِ البَحْثِ العِلْمِيِّ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَتَنْظِيمِ مُسابَقاتٍ أَدَبِيَّةٍ وَلُغَوِيَّةٍ، وَاسْتِحْداثِ بَرامِجَ تَعْلِيمِيَّةٍ تُرَسِّخُ مَكانَةَ اللُّغَةِ بَيْنَ الأَجْيالِ الجَديدَةِ.
وفي الخِتامِ، أَتَمَنَّى أَنْ نَصِلَ إلى مَرْحَلَةٍ تَكونُ فيها لُغَتُنا قَوِيَّةً، تُعَبِّرُ عَنْ قُوَّةٍ وَرِفْعَةٍ لِلنَّاطِقِينَ بِها.