موقف الأردن من الأزمة السورية وقضية اللاجئين
د. أشرف الراعي
20-12-2024 08:38 PM
لا شك أن التطورات الجيوسياسية في سوريا منذ عام 2011 أفرزت العديد من التحديات للأردن، الذي يتمتع بموقع جغرافي حساس يجعله في قلب المعادلات الإقليمية، ومع احتدام المشهد العسكري والميداني على الجبهة الشمالية الشرقية في سوريا، يواصل الأردن الرسمي متابعة التطورات بدقة وحذر، واضعاً في اعتباره حماية أمنه القومي وتثبيت أولوية ضبط الحدود.
منذ العام 2018، برز ملف تهريب المخدرات كتهديد مباشر للأمن الوطني الأردني، إذ تحوّلت الحدود الأردنية السورية إلى ممر استراتيجي لتلك العمليات، ووفقاً لتقارير أمنية، يشكل تصاعد تهريب المواد المخدرة تحدياً أمنياً واقتصادياً كبيراً على الأردن، مما دفعه لتعزيز الانتشار العسكري والرقابة الحدودية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، وعليه، يبقى ضبط الحدود بالنسبة للأردن ليس مجرد مسألة أمنية بحتة، بل هو عامل استقرار داخلي يرتبط بصون موارده وبنيته الاجتماعية والاقتصادية.
المطبخ السياسي في عمان حريص على وحدة وسيادة الأراضي السورية، وهو موقف يستند إلى التزام راسخ بالقانون الدولي ورفض التدخلات التي تُعمّق الانقسام داخل سوريا، ومتابعة الأردن للتحركات الإسرائيلية داخل سوريا تعكس هذا التوجه؛ حيث يوازن الأردن بين حماية مصالحه الأمنية والإقليمية من جهة، واحترام المبادئ القانونية الدولية من جهة أخرى.
الأردن مؤهل للعب دور محوري في إعادة الاستقرار إلى سوريا، نظراً لخبرته العميقة بالعلاقات مع مختلف الأطراف السورية، وبحكم موقعه الجغرافي الذي يجعله بوابة رئيسية لإعادة إعمار سوريا وتسهيل المبادلات الاقتصادية، ومع ذلك، يبقى هذا الدور مرهوناً بتهيئة الظروف السياسية والأمنية التي تضمن توافقًا إقليمياً ودولياً.
ورغم الأهمية الاقتصادية لفتح التبادل التجاري بين عمان ودمشق، إلا أن الأردن يتعامل مع هذا الملف بحذر شديد؛ فعودة العلاقات التجارية يجب أن تكون مدروسة بعناية لتجنب أي انعكاسات سلبية مرتبطة بالوضع الأمني المعقد داخل سوريا، ومع استمرار التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن، يظل التبادل التجاري مع سوريا فرصة اقتصادية واعدة، لكن بشروط تضمن المصلحة الأردنية والاستقرار الإقليمي.
مسؤولون يقولون: "لا يمكن الحديث عن الأزمة السورية دون التطرق إلى ملف اللاجئين السوريين الذي شكّل ضغطًا كبيراً على الموارد منذ بداية الأزمة، ورغم المساعدات الدولية، يبقى هذا الملف أولوية أردنية تتطلب حلولا مستدامة تضمن العودة الطوعية والآمنة للاجئين في إطار دولي يراعي حقوق الإنسان".
السياسة الأردنية تجاه الأزمة السورية تنطلق من حرصها على ضمان أن يكون أي حل أو تطور في سوريا ضمن إطار القانون الدولي، وهو موقف يُعزز مصداقية الأردن كطرف إقليمي يسعى إلى تحقيق الاستقرار دون الانخراط في سياسات تُعقّد المشهد، وفي هذا السياق، يواصل الأردن تنسيقه مع جيرانه وشركائه الدوليين لتحقيق توازن دقيق بين المصالح الوطنية والالتزامات الإقليمية.
المملكة تجد نفسها أمام مسؤولية مزدوجة؛ حماية أمنها القومي وضبط حدودها من جهة، والعمل على دعم استقرار سوريا بشكل يُفضي إلى تحقيق السلام الشامل من جهة أخرى، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدور الأردني يجب أن يتكامل مع الجهود الدولية ليكون جسراً حقيقياً يعيد لسوريا أمنها وللمنطقة استقرارها، وهو ما يتطلب حواراً سياسياً جاداً.