الدور الإقليمي التركي عبر سورية
د. ماجد العبلي
20-12-2024 05:44 PM
منذ خمود "الربيع العربي" وخصوصا بعد تعثره في سوريا، فقد أخذ الدور الإقليمي التركي يتراجع لصالح الدور الإيراني الذي تصاعد بوتيرة متسارعة، لا سيما بعد التدخل الإيراني لمساندة النظام السوري السابق ضد "الثورة السورية" من منطلق التحالف الاستراتيجي بين البلدين تحت عنوان: محور الممانعة الذي تطور لاحقا ليصبح محور المقاومة.
وبعد فشل تركيا في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي من ناحية، وبعد فشلها في تحقيق نفوذ في الإقليم عبر الربيع العربي الذي تم (حبسه) من ناحية ثانية، وبعد التهميش الأمريكي لها بسبب الخلافات حول موضوع الأكراد في شمال شرق سوريا من ناحية ثالثة؛ فقد كانت تعوّل على انتصار الثورة السورية الموالية لها؛ لتسترد دورها الإقليمي.
ولكن مع فشل الثورة السورية، وخاصة بعد التدخل الروسي العسكري الحاسم لحماية النظام السوري السابق منذ العام 2015، فقد أُسقِط بيدها ووجدت نفسها في حالة (تيه استراتيجي) لا تُحسد عليه.
وبما أن تفاهماتها مع روسيا حول الموضوع السوري لم تكن لتحقق لها الحد المقبول من تقدير الذات ومن المصالح؛ فقد عكفت على مراجعات شاملة باحثة عن فرص استراتيجية، لكنها لم تجد إلا فرصة وحيدة تتمثل بالسيطرة على سوريا عبر إسقاط نظام "الأسد" وتنصيب حكومة موالية لها؛ فكانت خطة توحيد صفوف فصائل "الثورة السورية" ضمن اتفاقية استراتيجية تضمن ولاء هذه الفصائل لتركيا، حيث تم تدريبها ودعمها عسكريا لتمكينها من إسقاط النظام السوري السابق.
ولم يكن من الممكن أن تنجح هذه الخطة دون موافقة ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدخلت لدى كل من روسيا وإيران لتحييد أي تدخل مؤثر من قبل أيٍّ منهما ضد فصائل الثورة أو لحماية النظام السوري السابق.
وإذا كان من الممكن تحييد إيران بالإغواء والتهديد معا، فإنه يمكن تحييد روسيا عبر صفقة تتمثل بالانسحاب من سوريا مقابل تسويات معينة في الحرب الأوكرانية.
ومن حيث النتيجة العملية فقد تم تحييد البلدين، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بوقف العدوان الصهيوني على لبنان، وأعطت إشارة البدء لتركيا، فانطلقت عملية" ردع العدوان" وانتصرت الفصائل المسلحة وسقط نظام الأسد، وتسلمت "هيئة تحرير الشام" السلطة في دمشق.
وفي التقييم التركي للمركز الإقليمي والدولي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فإنها رأت أن هناك تراجعا واضحا في هذا المركز، بسبب اقترافها جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة؛ وعليه فقد هبت تركيا لاستثمار هذه الفرصة التاريخية للنهوض الإقليمي على حساب التراجع الإسرائيلي من خلال البوابة السورية، حيث إذا استتب لها الأمر في سوريا؛ فإن ذلك سيمكنها من الحصول على ورقة اعتماد لتكون وكيلا للمصالح الأمريكية في المنطقة على قدم المساواة مع الكيان العبري، وهذا سيؤهلها للحصول على ورقة اعتماد من الاتحاد الأوروبي، ومن خلال استثمارها الذكي في هاتين الورقتين فإنها ستكرس نفسها الوكيل الأول للمصالح الغربية على حساب تراجع الكيان العبري لمرتبة الوكيل الثاني.
والسؤال: ما هي العقبات التي تواجه هدف الهيمنة التركية على سوريا؟ وما هي الحلول المتاحة؟
هناك ثلاث عقبات رئيسة هي:
1- عقبة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تريد ضمان مصالحها كأولوية عليا في الترتيبات السورية.
2- عقبة الأكراد في شمال شرق سوريا، الذين يريدون الاعتراف بهويتهم التاريخية والتسليم بحقهم في المشاركة في الحكم.
3- العقبة الإسرائيلية، حيث من مصلحتها أن تظل سوريا دولة رخوة منقسمة على نفسها ومرشحة في أية لحظة للانزلاق إلى أتون حرب أهلية.
أما عقبة الولايات المتحدة الأمريكية فيمكن حلها عبر صفقة تتعهد فيها تركيا بحماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، وتتضمن آلية حل مشكلة الأكراد، حيث إن ما يهم أمريكا عمليا هو تحقيق مصالحها الاستراتيجية بأقل كلفة ممكنة.
أما عقبة الأكراد فيمكن حلها بضمان حقهم في المشاركة الفاعلة المستدامة في حكم سوريا، حيث إن ما يهم أكراد سوريا هو ضمان احترام شخصيتهم التاريخية من خلال دورهم في الحكم.
أما العقبة الإسرائيلية فيمكن حلها بتحييد دورهم (التقسيمي)، وذلك عبر توحيد سوريا تحت ظل حكومة موحدة تحظى بقبول شعبي واسع وتشارك فيها كل الأطراف السورية الفاعلة.
وإذا نجح هذا المشروع التركي في سوريا، فإنه سيؤشر إلى:
أولا: دلالات استراتيجية ممكنة تتمثل بما يلي:
1-رغبة أمريكية بخفض مستوى الاعتماد على الدور الإسرائيلي في الإقليم.
2-رغبة أمريكية بزيادة الاعتماد على الدور التركي.
ثانيا: استنتاجات محتملة تتمثل بما يلي:
1-تحجيم الدور الإسرائيلي وتحجيم الأحلام الإسرائيلية التوسعية في الإقليم.
2-تراجع القيمة الاستراتيجية لمشاريع التطبيع العربية الإسرائيلية.
ثالثا: نتائج متوقعة تتمثل بما يلي:
1-تطبيق المشروع السوري في العراق كهدف تكاملي تركي أمريكي يتضمن توسيع النفوذ التركي في الإقليم وعزل إيران.
2-تطبيق هذا المشروع في بلدان عربية أخرى.
ثالثا: مآلات منطقية تتمثل بما يلي:
1-توسيع نطاق ومستوى التعاون الاستراتيجي التركي الأمريكي للعمل على إعادة بناء الإقليم على أسس جديدة.
2-نمو الحلم العثماني مجددا.
وللحديث بقية..