سوريا .. خروج الأسد وفصل جديد من الصراع
م. وائل سامي السماعين
19-12-2024 08:21 PM
في 28 نوفمبر 2024، تقدّم مشرعون روس بمقترح إلى مجلس الدوما لإزالة حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية الروسية، في خطوة اعتُبرت مؤشراً على تغيّر واضح في معادلات التحالفات الإقليمية. وجاء هذا التطور قبل أيام قليلة من بدء عمليات عسكرية واسعة نفذتها "هيئة تحرير الشام" في سوريا، بهدف إسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي وبسط السيطرة على مدن استراتيجية في البلاد.
قبل هذه الأحداث، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره السوري بشار الأسد إلى اجتماع لمناقشة مسألة تنحيه عن السلطة، غير أن الأسد رفض العرض، مما زاد من تعقيد المشهد. وعند "ساعة الصفر"، توصّلت روسيا وتركيا إلى اتفاق يقضي بخروج آمن لبشار الأسد وأفراد عائلته من دمشق. ووفقاً للاتفاق، أمضى الأسد ليلته في قاعدة "حميميم" الروسية قبل مغادرته على متن طائرة عسكرية روسية إلى وجهة آمنة في روسيا.
برز التقارب الروسي مع حركة طالبان كإشارة إلى تغيّرات عميقة في توازنات القوى بالمنطقة. وظهرت هذه المؤشرات بوضوح من خلال الاحتفالات التي عمّت شوارع أفغانستان، حيث تم توزيع الحلوى احتفالاً بسقوط دمشق، وهو مشهد أثار تساؤلات حول دلالاته السياسية ومستقبل سوريا.
إلى جانب ذلك، برزت حركة طالبان في المشهد السوري بشكل لافت، حيث وثّقت بعض اللقطات المصوّرة مشاركة عناصر من طالبان في العمليات الميدانية جنباً إلى جنب مع "هيئة تحرير الشام" خلال تحرير بعض المدن السورية. هذا التطور زاد من مخاوف المراقبين بشأن احتمال تحول سوريا إلى ساحة صراع جديد بين القوى الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا.
تُقدّر تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 900 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق إمكانيات البلاد بمراحل، خاصة في ظل غياب شركاء اقتصاديين أقوياء. لن تتمكن سوريا من تحقيق هذا الهدف دون إقامة شراكات استراتيجية مع قوى اقتصادية كبرى مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والسعودية. هذه التحالفات قد تتيح تدفق التمويل والدعم الفني المطلوب لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
شهدت سوريا حضوراً متزايداً لقوى دولية وإقليمية ذات مصالح متضاربة، حيث تبرز روسيا وتركيا كأطراف رئيسية في المعادلة، إلى جانب حركة طالبان التي دخلت المشهد بقوة من خلال دعمها العمليات الميدانية لـ "هيئة تحرير الشام".
وفي ظل وجود الحركات الدينية المتشددة، بدأت بعض الممارسات الجديدة بالظهور، مثل فرض ارتداء غطاء الرأس على النساء، ما أثار مخاوف دولية من تراجع الحريات المدنية، فضلاً عن إمكانية انزلاق البلاد إلى مزيد من التشدد.
هذه التغيرات دفعت بعض المراقبين إلى التحذير من أن السوريين قد يجدون أنفسهم في "قاع الزجاجة" بدلاً من "عنقها"، في إشارة إلى انسداد الأفق السياسي والاقتصادي. فبدلاً من رؤية بصيص الأمل في المستقبل، قد يواجه السوريون واقعاً أكثر قتامة في ظل صراعات القوى الكبرى وتزايد سطوة الجماعات المتشددة على الأرض.
الكرة الآن في ملعب السوريين أنفسهم، وعليهم وضع مصلحة سوريا على رأس الأولويات. كما يتوجب على الدول العربية تقديم الدعم اللازم، لتفادي خطر تقسيم سوريا أو اختفائها من الخارطة، وإلا فقد تتحول إلى بركان مستدام لا يهدأ.
waelsamain@gmail.com