تحرير الشام أم بلاد الشام؟
د.حسام العتوم
19-12-2024 05:21 PM
يخلط العربي في منطقتنا الشرق أوسطية بين مصطلح "هيئة تحرير الشام"، وإذا ما كان يعني تحرير بلاد الشام، وشتان بين المصطلحين، والتاريخ المعاصر يؤكد وجود المصطلح الأول وعدم وجود المصطلح الثاني، لكن منطقتنا الشامية وأوسع رفعت من جاهزيتها العسكرية تحسبا لتوسع مخطط هيئة تحرير الشام، وهاجت إسرائيل في الجوار، واستشاطت غضبا، وبالغت في هيجانها، وكثفت من نشاطها العسكري لدرجة تمكنت من خلالها من تدمير مساحات كبيرة من البنية التحتية للجيش العربي السوري المجاورة لها، وغزت مدينة القنيطرة الجولانية وجبل الشيخ بحجة التمكن الاحترازي من وصول الأرهاب للسلطة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد المعادي لها حسب تعبير ورد على لسان قائد الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي. ولم تأخذ إسرائيل في الحسبان بأنها احتلالية، عدوانية، استيطانية، وحتى نازية، وجريمتها البشرية في غزة وفي لبنان التي إرتقت لمستوى حرب الأبادة سجلها التاريخ ولن يرحمها. واحتلالها للأراضي العربية عام 1967 غير مشروع بما في ذلك الجولان – الهضبة العربية السورية، والأصل أن لا تمارس إسرائيل الفوقية، وأن لا تقفز على أسوار القانون الدولي، وأن تلتزم بحدودها التي رسمتها لها الأمم المتحدة عام 1947، وسيطرت عليها بقوة السلاح عام 1948.
لم يكن متوقعا أن يظهر نظام بشار الأسد هزيلا بهذه الصورة التي بان فيها بعد إنهياره بسرعة البرق أمام زحف " هيئة النصرة " التي استعدت لهزيمته عاما كاملا و هزمته بساعات و أيام معدودة ، وهو الذي خلف والده القومي حافظ الأسد منذ عام 2000 ، وجلس على كرسي دمشق 24 عاما رافضا للحرب و السلام مع إسرائيل ،بينما اختلف والده الراحل عنه بخوض حرب مع إسرائيل و بالتعاون مع مصر و الأردن عام 1973 ،و تشابها في عدم توقيع السلام معها بشروطها التي اختلفت بين عهدي إسحق رابين و بنيامين نتنياهو ، حيث اشترط الأول السفارة و التجارة ، و الثاني أضاف مخزون مياه الجولان و خلوه من السلاح الثقيل ، ثم عاد كما الرئيس دونالد ترامب عام 2017 اعتبارها إسرائيلية محتلة بسبب العنجهية و الفوقية النرجسية و التحالف مع "الناتو".
وما لم يكن متوقعا ، و رغم حادثة حلب المأساوية عام 1980 ، التي عاقبت الثورة السورية الحالية حافظ الأسد عليها بحرق ضريحة في القرداحة ، بأن كان بشار الأسد سياسيا قوميا بنظرة ضيقة ،و بفانتازيا أشبهت سلوك غورباتشوف ،و لا أباليا مع شعبه ، الذي تركه سنين طويلة يأن من الفقر و البطالة ،و نسبة كبيرة منه قابعا في السجون من دون أسباب مقنعة ،و معظمهم تم زجه في سجن " صيدنايا " المرعب، و لم يكلف نفسه عناء تبييض السجون ،و تقريب المعارضة الوطنية من الحكم ، رغم تموج الربيع العربي ومنه السوري ، ظنا منه بأن تهميشه لشعبه وبطشه بهم يطيل من أمد كرسيه في الحكم . و حسب قول - لوئام وهاب - الوسيط بين إسرائيل و سوريا ماهر الأسد ، فإن الرئيس المخلوع بشار الأسد سحب من سوريا تزامنا مع هروبه منها و قبل ذلك 130 مليار دولار. و أدعا بأنه ، أي بشار ما كان له أن يغادر سوريا الوطن لولا إنهيار الجيش أمام الثوار .
وفي المقابل راهن بشار الأسد على حماية إيران و روسيا لنظامه ، ولم يواصل بناء جيش بلاده سوريا – العربي ، الذي بدا هزيلا أمام الثورة و الضربات الإسرائيلية المتتابعة و الحالية بعد اندلاع الفوضى بسبب سقوط نظام دمشق . فأنسحبت إيران خلسة وبطلب من الثورة رغم عضوية العلاقة ،وخرجت روسيا من دمشق ، و لازالت تفاوض بشأن بقاء قاعدتي " حميميم" ، و " طرطوس " ، و راهنت موسكو على الأسد الأبن كثيرا ،و فضلت احتضانه لأسباب إنسانية بعد سقوطه ونظامه ، ووجهت له نصيحة من ذهب عندما كان جالسا على الكرسي ، بأن ينفذ القرار الأممي عبر مجلس الأمن الذي صنعته بنفسها ، رقم 2254 ،لتنفيذ انتقال السلطة ضمن مرحلة انتقالية ،وهو الذي لم يصغي إليه بشار الأسد ، وخاف منه على كرسيه الرئاسي ،و ربما بسبب ما كان يخفيه نظامه من جرائم و مصائب ضد شعبه السوري ،وعلى مستوى تجارة المخدرات التي امتهنها شقيقه ماهر الذي فر أيضا تجاه موسكو عبر بغداد ،وهو الذي قابلته الثورة بتحطيم تماثيلهما و صورهما ووالده الراحل التي رفعت في دمشق لتثبيت شعار " الأسد إلى الأبد " . و الأصل أن تعيد موسكو لخزينة الدولة السورية الأموال المنهوبة من قبل نظامه السابق ،و أن تقبل بمحاكمة القيادة السورية السابقة داخل سوريا بسبب عدم توفر عضوية لسوريا في محكمة الجنايات الكبرى ، وهي التي توارت عن الأنظار داخل روسيا .فماذا يمكن أن نعرف عن هيئة تحرير الشام بعد ذلك ، و التي لا تعني تحرير بلاد الشام كما هو مؤكد و يظهر لنا .
إنها جماعة سلفية جهادية رافقت الربيع العربي ومن السوري عام 2011 ، فقادت الحرب الأهلية هناك ،و تشكلت فعليا بتاريخ 28 / كانون الثاني / 2017 نتيجة لاندماج جبهة فتح الشام ( النصرة ) سابقا ، و جبهة أنصار الدين ،و جيش السنة ، و لواء الحق ،و حركة نور الدين الزنكي ،و أصبحت جبهة النصرة بعد التأسيس هي المسيطرة . و تتكون من مجموعة فصائل مثل ( لواء التمكين ، و كتائب الصحابة ،و سرية الأقصى ،و كتائب صقور العز ، و كتيبة قوافل الشهداء ، و غيرهم الكثير . وعبد الله المحيسين ،و أبو الطاهر الحموي ، و عبد الرزاق المهدي ، شكلوا الهيئة بداية ، ووسط أعوام 2017 و 2020 بدأوا بمهاجمة السلطات السورية ،و شكلوا العصائب الحمراء داخل هيئة تحرير الشام . و الهيئة تاريخيا إنبثقت من تنظيم القاعدة و داعش الأرهابيتين ،و هو الذي أزعج إسرائيل ، و تمسكت بموضوعها هذا حجة جديدة لقصف دمشف بعنف و مناطق الحدود السورية – الإسرائيلية ، و بدأت بجمع معلومات لوجستية لتعزيز حماية أمنها من دون الأخذ بعين الأعتبار لأهمية مغادرة الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 ،و هو الأمر الهام و المهم لترتيب أوارق الأستقرار و السلام في المنطقة كافة .وهيئة تحرير الشام بقيادة زعيمها أحمد الشرع الملقب أبو محمد الجولاني ، انفصلت عن القاعدة و داعش عام 2017 ،و طلقتهما بالبينونة الكبرى ،و توجهت عبر تيارها السني لإعادة بناء سوريا ، و لعدم استفزاز دول الجوار وفي الأقليم ، و إسرائيل ،و الدول الكبرى مثل روسيا و أمريكا ، و غيرها الأصغر حجما مثل ايران و تركيا . و هي معنية بإعادة أموال سوريا المنهوبة و بوقف تجارة المخدرات من الطرف السوري ،وكذلك تدفق الأرهاب إلى دول الجوار و أبعد .
ثمة رسالة بعثها زعيم هيئة تحرير الشام لإسرائيل مذكرا اياها بأنها تجاوزت حدودها مستغلة حالة الفوضى في سوريا بعد سقوط نظامها بجهد دولي و أخر مباشر للهيئة ، ولقاء له مع ممثل الأمم المتحدة غير بيرسون لتحديث قرار مجلس الأمن 2254 المتعلق بالفترة الأنتقالية الرئاسية في سوريا عبر انتخابات نزيهة لا تشبه ما سبقها ،وعلى طريقة 99،9 % .و حرص للهيئة على وحدة سوريا و تحرير المحتل منها مثل الجولان – الهضبة العربية السورية ،و لتنظيف الحدود السورية من الألغام ، و الذهاب لتحقيق تنمية شاملة خادمة للإنسان العربي السوري ،و تحرير المعتقل منهم في السجون السورية من دون أدلة دامغة و أسباب مشروعة.