الرفاعي والحاجة إلى فهرس أردني لتوجهات الاحزاب
السفير الدكتور موفق العجلوني
19-12-2024 05:10 PM
في العديد من المناسبات يطل علينا دائماً، دولة السيد سمير زيد الرفاعي رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من خلال طرح رؤى وتحليلات هامة حول الأحزاب السياسية ترتكز على التطور المطلوب في الحياة الحزبية وتعزيز الديمقراطية. وخاصة ان الاحزاب بعد جولة الانتخابات البرلمانية الأخيرة تبين انها تعاني من عدة تحديات تجعلها ضعيفة في التأثير على الحياة السياسية. وخاصة انها تعاني من مشكلة التكتلات القبلية والعشائرية، بالإضافة إلى ضعف البرامج السياسية والتوجهات الواضحة التي يمكن أن تكون جاذبة للمواطنين. بنفس الوقت فأن الضعف التنظيمي للأحزاب، وعدم قدرتها على تجنيد أعداد كبيرة من الأعضاء المؤثرين، يجعلها غير قادرة على تحقيق النجاح في الانتخابات أو التأثير في قرارات الحكومة.
بالرغم بآن لجنة تحديث المنظومة السياسية عملت على تطوير الحياة الحزبية في الأردن من خلال إصلاحات متعددة، تشمل تعديل قوانين الانتخابات والأحزاب. وكان جزء من هذه الإصلاحات هو تحفيز المواطنين على الانخراط في الأحزاب السياسية، مع التأكيد على ضرورة أن تكون الأحزاب أكثر تمثيلًا وتنوعًا. وإيجاد بيئة قانونية وسياسية تشجع على العمل الحزبي من خلال ضمان فرص متساوية لجميع الأحزاب وتحديث قوانين الانتخابات لتدعيم التعددية السياسية في ضوء الرؤية الملكية التي تسعى إلى تعزيز دور الأحزاب السياسية في العملية الديمقراطية.
دولة الرفاعي تحدث عن ضرورة تعديل القوانين الناظمة للحياة الحزبية في الأردن، بما في ذلك قانون الأحزاب وقانون الانتخاب. وأن الإصلاحات في هذا المجال تهدف إلى زيادة قدرة الأحزاب على التنافس بحرية دون تدخلات خارجية قد تحد من استقلاليتها. وأن التعديلات ستعمل على دعم الأحزاب الصغيرة وتوفير آليات لتمثيل أوسع للشرائح الاجتماعية المختلفة في البرلمان.
الرفاعي أشار أيضًا إلى أن الوضع الاقتصادي في الأردن له تأثير غير مباشر على فعالية الأحزاب. الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطن الأردني قد تؤدي إلى قلة الاهتمام بالسياسة والانشغال بمشاكل الحياة اليومية. لذلك، يجب على الأحزاب السياسية أن تكون قادرة على تقديم حلول واقعية للمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون. وأن الإصلاحات السياسية التي تتم في الأردن لا تقتصر فقط على تحسين الأحزاب، بل تشمل أيضًا تعزيز النظام الانتخابي وتغيير ثقافة السياسة في المملكة. في المستقبل، من المتوقع أن يشهد الأردن تطورًا في الحياة الحزبية بحيث تصبح الأحزاب أداة أكثر تأثيرًا في اتخاذ القرار السياسي، مما يساهم في تشكيل حكومات حزبية ذات قاعدة شعبية واسعة. التحول نحو حكومة برلمانية حزبية تدريجيًا لا يتم بين ليلة وضحاها، بل يتطلب بناء ثقافة حزبية قوية وتأسيس آليات دستورية وقانونية تساهم في هذا التحول. على المدى الطويل، يهدف هذا التوجه إلى تحسين الأداء الحكومي وتعزيز الشفافية والمحاسبة من خلال الأحزاب.
وبالتالي يستشف من حديث الرفاعي أن هناك محاولة حقيقية في الأردن لإعادة هيكلة الحياة الحزبية بشكل يتماشى مع تطلعات جلالة الملك والمواطنين ومتطلبات العصر. كون الأحزاب بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات القانونية والتنظيمية لتصبح أكثر فاعلية وقدرة على تقديم بدائل سياسية حقيقية. وفي الوقت نفسه، فإن التحولات نحو حكومة برلمانية حزبية هي خطوة مهمة نحو تعزيز الديمقراطية والشفافية في الأردن.
ومن خلال ما جاء في محاضرة دولة الرفاعي التي ألقاها في معهد الإعلام الأردني، يكشف هنالك عدة ابعاد هامة تتعلق بتحديات الأحزاب السياسية في البلاد وأسباب ضعف تأثيرها على الحياة السياسية. ، فقد ألقى الضوء على الأخطاء التي ارتكبت بعد الانتخابات النيابية الأولى التي جرت وفق القوانين الجديدة، وأشار إلى مجموعة من النقاط الرئيسية التي تستحق التوقف عندها. فيما يلي تحليل موسع لتلك التصريحات:
القوانين الجديدة لم تضع في اعتبارها بعض الممارسات السلبية التي ظهرت بعد الانتخابات. أبرز هذه الممارسات كان "بيع مقاعد" في القوائم الانتخابية، وهو ما يشير إلى أن بعض الأحزاب قد اختارت مرشحيها بناء على الواسطة أو على أساس تحقيق مكاسب انتخابية ضيقة، بدلاً من اختيار مرشحين بناءً على الفكر الحزبي والمبادئ. هذا الأمر أضعف مصداقية الأحزاب وجعلها غير قادرة على جذب المواطنين، حيث يتعين أن تكون الأحزاب أكثر التزامًا بالمبادئ الفكرية وليس مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية.
الغموض في المصطلحات السياسية في الأردن، مثل مصطلحي "محافظ" و"ليبرالي". في السياقات الدولية، تكون هذه المصطلحات واضحة ولها دلالات محددة:
• المحافظون عادة ما يكونون مع تقليص دور الحكومة ويدافعون عن سياسات السوق الحرة.
• الليبراليون يفضلون دورًا أكبر للحكومة في التدخل الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة لصالح الطبقات الفقيرة.
• ولكن، في الأردن، قد تكون هذه المصطلحات ضبابية وغير واضحة، حتى أن بعض الأشخاص الذين يدعون أنهم "ليبراليون" في الأردن يتبنون سياسات اقتصادية قد تتعارض مع المبادئ الليبرالية المعروفة، مثل تقليص حجم الحكومة. هذه الحالة تجعل الأحزاب تتبنى مواقف غير متناسقة، مما يخلق confusion بين المواطنين حول ما تعنيه الأحزاب المختلفة، وبالتالي يصبح من الصعب أن يعرف الناخبون أي الأحزاب تمثل مصالحهم.
لم تقدم العديد من الاحزاب برامج قابلة للتطبيق. مع غياب البرامج الحقيقية التي تركز على معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية بشكل منطقي وقابل للتحقيق. هذا التوجه يعكس نقصًا في التفكير الاستراتيجي لدى العديد من الأحزاب.
يجب أن تلتزم الأحزاب بمبادئ واضحة وأسس فكرية متينة، لا أن تكون الأحزاب مجرد تجمعات من أجل جمع الأعداد. يجب أن يجتمع المؤسسون على فكر واحد ومبادئ واضحة، كما يجب أن تتضمن البرامج الحزبية حلولًا واقعية ومدروسة. من خلال هذه العملية، يمكن للأحزاب أن تصبح أكثر تأثيرًا وأكثر قدرة على جذب الناخبين الملتزمين.
وعلى الرغم من أن بعض الأحزاب قد حازت على أكبر عدد من المقاعد في القائمة الوطنية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنها الأحزاب الأقوى لان النجاح في الانتخابات لا يقاس بعدد المقاعد فحسب، بل بمدى القدرة على التأثير في السياسات العامة وفي قرارات الحكومة.
وبالتالي لا بد ان تقوم الاحزاب بإعادة النظر في برامجها " ان كان لديها برامج قابلة للتطبيق" ومراجعتها بجدية خلال السنوات الأربع القادمة في ضوء اقتناع الأردنيين في فكرة الاحزاب ولكن غير مقتنعين بالأحزاب نفسها. وبالتالي هناك حاجة ملحة لتطوير الأحزاب لكي تصبح أكثر قدرة على التأثير والمساهمة في التغيير السياسي، بعيدًا عن الجوانب الشكلية.
وكما أشار الرفاعي في حديثه إلى أن أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الأحزاب كان تجاهل دور النقابات المهنية في الحياة السياسية. على الرغم من أن النقابات قد لعبت دورًا سياسيًا بارزًا في الماضي، إلا أن الأحزاب لم تسعى إلى إشراك النقابيين بشكل فعال في عملها السياسي. النقابيون لديهم خبرة طويلة في العمل السياسي وقدرة على التأثير، لذلك كان من الأجدر بالأحزاب أن تسعى للاستفادة من هذه الخبرات.
من هنا يجب أن تكون الأحزاب أكثر التزامًا بالعمل الجماعي والتعاون في بناء رؤية سياسية شاملة، بدلًا من التركيز على المصالح الفردية. وأن تلتزم بالعمل المستمر على مدار السنوات الأربع القادمة، وعدم الانتظار فقط حتى الأشهر الأخيرة من الدورة الانتخابية للظهور في صورة الحزب "الجاهز".
في ضوء ما سبق يبدو ان هنالك دعوة صريحة من دولة الرفاعي رئيس اللجنة الملكية للتحديث السياسي لإعادة هيكلة هذه الأحزاب بشكل جدي. كما أنها تؤكد على الحاجة إلى تطوير برامج حقيقية ومفصلة، بعيدًا عن الشو الإعلامي أو الشعارات الانتخابية المضللة. ولإحداث التغيير المطلوب، يجب على الأحزاب أن تتبع منهجًا فكريًا متسقاً "فهرس أردني لتوجهاتها " وأن تكون لديها برامج واقعية واضحة وقابلة للتحقيق تنعكس على مصلحة الوطن والمواطن.
* مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me